*رحمة عبدالمنعم يكتب: محمد محمد خير..«صوتٌ من أقاصي الدنيا»*

بقلمٍ مغموسٍ في الحبر النبيل، نخطّ هذه الكلمات احتفاءً برجلٍ لا تتكرّر سيرته إلا كلما اشتدت الحاجة إلى الذين يقرأون الوطن كما تُقرأ الكتب العتيقة: سطراً سطراً،ووجعًا وجعًا، ثم يبتسمون ليخبئوا الدمع عن قارئيهم.

صدر القرار أخيراً، بتعيين الأستاذ الصحفي والمحلل السياسي والمثقف محمد محمد خير مستشاراً لرئيس الوزراء الدكتور كامل ادريس، لا تبدو الكلمات كافية لتأطير لحظة كهذه، فبعض الأسماء حين تقترن بالمناصب، لا تكتفي باحتلال مساحة في القرار الرسمي، بل تُحدِث في الهواء السياسي رجة… وتبث في المشهد معنى.

محمد محمد خير ليس مجرد صحفيٍّ يكتب، بل هو رجل يقرأ، ويقرأ، حتى تكاد العناوين تهرول إليه كما تفعل الطيور تجاه شجرةٍ تعرفها منذ البدء،هو قارئ جيد للأحداث، لا يتعجل الوقائع، ولا يتورط في صخب العابر، يلتقط الخيط الرفيع بين الكارثة والخلاص، ويحوّل الزوايا المهملة إلى نوافذ تطل على ما لم يُقل بعد، له قراءة حصيفة ونظرة بعيدة، صائبة، لا تُشبه التحليل المُعلّب، ولا الرأي الطارئ.

ليس مستغرباً أن يكون للرجل علاقات خارجية ممتازة، فقد تعوّد أن يتحدث بلغة العقل في زمن كثر فيه الصراخ، وأن يمد الجسور حين ظنّ آخرون أن الخراب قدر لا يُقاوَم، وها هو اليوم، يقترب من مركز القرار، لا ليخبو صوته، بل ليكتمل أثره، وجوده بالقرب من رئيس الوزراء ليس مجرد إضافة إدارية، بل هو مكسب كبير… ضربة معلم، بلغة السياسة، وصفقة رابحة بلغة الوطن.

لكن محمد ليس فقط السياسي المُحنّك والمحلل المتمكن، بل هو أيضًا شاعرٌ بليغ ،شاعر يرى المدن بعين العاشق، ويكتبها كما تُكتب الأغنيات، بل كما تُغنّى، كتب عن أم درمان يوماً:”وسِرت زي الضو عليك… وصرخت يا جنّة بلال..عالِجني يا عابدين شرف… سامحني يا أستاد الهلال..اللّيلة يا أم درمان بشوف… كل المدن في دوب سماحتك تنهجك..زهَت الفتيحاب بالشّمش…واتبسَمت “بانت” على وش أب كدوك..والعرضة غنّت من مطامير الحقيبة الصادحة… هم ما بشبهوك!”

هل تُكتب المناصب بهذه اللغة؟ وهل تليق السياسة بالشعر؟ نعم، حين يكون صاحبها رجلًا مثل محمد محمد خير، لا يرى السلطة إلا نافذة إضافية للكتابة… ولا يرى الكتابة إلا مسؤولية لا تقل قداسة عن صنع القرار.

ومن يُنصت لتاريخه، يدرك أنه ليس دخيلًا على وجع هذا البلد، هو من السياسيين المعتقين، أولئك الذين عارضوا حكومة الإنقاذ عندما كان للمعارضة ثمن، وهادنوها حين اقتضت الحكمة التدرج نحو الممكن، لم يكن يوماً متطرفًا في مواقفه، بل كان ثابتاً في بوصلته: ألا يساوم على الوطن، وإن ساير خطاه بحذر.

هو خير تمثيل لقبيلة الإعلاميين، بل أحد شيوخها،من جيلٍ كتب بجراح المرحلة، وظلَّ رغم تبدّل العناوين، أمينًا للمعنى، وحين أذكره، لا أجد نفسي إلا أستحضر تلك الكوكبة التي تشكل نخبة الصحافة السودانية الحديثة: ضياء الدين بلال، محمد عبد القادر، الصادق الرزيقي،عبدالماجد عبدالحميد… أولئك الذين نقرأ لهم لا بحثاً عن المعلومة، بل رغبة في استعادة الثقة بالحرف.

محمد أيضاً صاحب زاوية “من أقاصي الدنيا”، تلك التي كانت تُكتب وكأنها مرآة مشروخة نرى فيها الوطن متشظيًا لكنه حي، زاوية لا تخاطب القارئ بل تستفزّه، لا تهادنه بل تحرّضه على التفكير، وعلى أن يحب بلاده رغم خيباتها.

وإن كان من شهادة تُقال في هذا المقام، فهي أنه لم يتخلّف حين احتاجته المعركة، كانت تسجيلاته الصوتية الداعمة للجيش في معركة الكرامة صوتاً للضمير، لا للحشد،حديثه لم يكن دعائياً ولا استعراضياً، بل صادراً عن يقين رجل يعرف كيف يُصاغ الوطن حين يُخاض الدفاع عنه بالكلمة لا فقط بالسلاح.

أنا سعيد باختياره، لا لأن القرار أنصف كاتباً نحب، بل لأنه أعاد للإعلامي السوداني موقعه الطبيعي كمشارك في التأسيس لا كمراقب من بعيد، وأكتب اليوم لا احتفالًا بلقب، بل إيماناً بأن بعض الرجال حين يُنادَون إلى جوار العرش، يأتون حاملين التاريخ، لا الجاه؛ النصيحة، لا التملق؛ والبصيرة، لا الحسابات الصغيرة.

في زمن المواقف المرتبكة، يجيء محمد محمد خير كمن يُعيد ترتيب الكراسي في حفلٍ بهيج… فيضع الصحافة على مقعدها الملكيّ، ويعيد للمثقفين حضورهم الذي تراجع طويلاً خلف ضوضاء الساسة،لقد كان دائمًا على مقربة من الحلم، فصار اليوم على مقربة من صناعته…أهلاً بك يا محمد، في هذا المقام العالي… مقام المستشار، حيث لا تُصنع القرارات فقط، بل حيث تُصاغ التواريخ.

*📰#صحيفة_الكرامة*
[٥‏/٨، ٥:٤٤ ص] تسيو: قدَّمه السفير الزين أمام جلسة مهمة،،

خطاب السودان،، الطريق للاتحاد الأفريقي..

التشديد على رفع تعليق مشاركة السودان في المنظمة الأفريقية..

فضح جرائم وانتهاكات الميليشيا، والمطالبة برفع الحصار عن الفاشر..

دعوة المجلس إلى الاستمرار في إدانة تكوين “الحكومة الموازية”..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

طالب السودان برفع تعليق مشاركته في أنشطة الاتحاد الأفريقي بعد إعلان خارطة الطريق واستيفاء تكوين الحكومة المدنية وذلك استناداً إلى مبادرة التضامن الأفريقي بهدف مرافقة السودان لتحقيق السلام الشامل وإعادة الإعمار، جاء ذلك خلال الخطاب الذي قدمه سفير السودان بأثيوبيا، ومندوبه لدى الاتحاد الأفريقي السفير الزين إبراهيم حسين، في الاجتماع الذى عقده مجلس السلم والأمن خلال الجلسة التشاورية غير الرسمية بالاتحاد الأفريقي والتي سبقت الجلسة الرسمية الخاصة بالسودان، حيث قدَّم السفير الزين شرحاً مفصلاً لتطورات الأوضاع الإنسانية والأمنية والسياسية بالسودان بما في ذلك تكوين حكومة الأمل بقيادة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، والتي تعتبر خطوة مهمة في سبيل تنفيذ خارطة الطريق التي أعلنها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في فبراير الماضي.

فضح انتهاكات الميليشيا:
الخطاب الذي قدمه السفير الزين إبراهيم حسين، يعدُّ أول خطاب حضوري منذ تعليق مشاركة السودان في أنشطة الاتحاد الأفريقي في العام 2021م، وقد عكس الخطاب تصميماً سودانياً على استعادة دوره القاري الرائد عبر أدواته الدبلوماسية، وقد حرص السفير الزين على اغتنام هذا التطور الدبلوماسي المهم في تعرية وفضح الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع، فقد حثَّ في خطابه مجلس السلم والأمن الأفريقي بالضغط على الميليشيا المتمردة لفك الحصار الفروض على مدينة الفاشر، والانسحاب من المناطق المدنية، ووقف الانتهاكات ضد المدنيين في كردفان ودارفور، مجدداً دعوته للمجلس إلى استمرار إدانة تكوين الحكومة الموازية من قبل ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وقطع الطريق أمامها بعودة السودان للأسرة الأفريقية، داعياً مجلس السلم والأمن الأفريقي لحثِّ دول الجوار السوداني بعدم تسهيل عبور الدعم والإسناد المقدم للميليشيا وعبور عناصرها عبر مطاراتها وأراضيها.

جلسة مغلقة للمجلس:
وعقب فراغه من تلاوة خطابه المهم أمام الجلسة التشاورية غير الرسمية لمجلس السلم والأمن الافريقي، ردَّ سفير السودان بأثيوبيا ومندوبه لدى الاتحاد الأفريقي السفير الزين إبراهيم حسين على بعض الأسئلة والاستفسارات التي طُرحت عليه من مندوبي الدول الأعضاء قبل أن يغادر قاعة الاجتماع ليتحول مجلس السلم والأمن الأفريقي بعد ذلك إلى جلسته الرسمية والمغلقة بشأن السودان والتي ستضع خطاب مندوب السودان وإجاباته ومداخلاته في الحسبان لتجد لها حيزاً في البيان الختامي الذي سيصدر في وقت لاحق خلال اليوم الثلاثاء، واعتبرت الجلسة التي خاطبها السفير الزين إبراهيم حسين جلسةً تشاورية غير رسمية لأن السودان مازال غير كامل العضوية عقب قرار الاتحاد الأفريقي بتجميد مشاركة السودان في أنشطة الاتحاد الأفريقي، منذ العام 2021م، بناءً على قيام القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بحلِّ مجلسي السيادة والوزراء فيما عرفت بالإجراءات التصحيحية التي فضَّ بموجبها الشراكة مع المكوِّن المدني في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م التي عدَّها الاتحاد الأفريقي انقلاباً علَّق بموجبه عضوية السودان، واشترط تفعيل العضوية باستعادة الحكم المدني بتعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة مدنية تدير الشأن التنفيذي في السودان.

اختراق دبلوماسي:
ووفقاً لمصادر دبلوماسية فإن خطاب السودان أمام الجلسة التشاورية لمجلس السلم والأمن الأفريقي يمثل اختراقاً دبلوماسياً مهماً، ليس فقط من حيث الرمزية، وإنما من حيث التوقيت والمضمون، حيث يأتي في وقت يشهد فيه السودان حراكاً متصاعداً لاستعادة مسار الانتقال المدني بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء وتشكيل “حكومة الأمل المدنية”، وهي الخطوة التي اعتبرتها العديد من العواصم الأفريقية والدولية مؤشراً إيجابياً، وفوق ذلك فقد شكلت مشاركة السودان في جلسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي أهميةً لكونها أول اختراق رسمي للسودان داخل مؤسسات الاتحاد الأفريقي بعد أكثر من ثلاث سنوات من العزلة شبه التامة، مما يعكس نجاح التحرك الدبلوماسي السوداني في فتح قنوات التواصل المباشر مع الأجهزة الفاعلة في الاتحاد، وعلى رأسها مجلس السلم والأمن، الذي يُعد الجهة المعنية بالنظر في ملفات النزاعات والحالات الدستورية في القارة، ويُظهر خطاب السودان وجود تجاوب ولو مبدئي من داخل الاتحاد مع الإشارات الملموسة التي اعتبرت خطواتٍ مهمة نحو إعادة تأسيس سلطة مدنية في السودان.

خاتمة مهمة:
على كلٍّ فقد شكلت مشاركة السودان في الجلسة التشاورية لمجلس السلم والأمن الأفريقي، نقطة تحول في علاقة السودان مع الاتحاد الأفريقي، سيكون لها انعكاس إيجابي على فتح ” كُوَّة” في جدار العزلة الدبلوماسية، كما تمثل هذه المشاركة خطوةً مهمة من شأنها تعبيد الطريق أمام مراجعة قرار تعليق عضوية السودان، لا سيما إذا تواصلت الخطوات العملية لتكريس الحكم المدني وإنهاء الحرب، ومشوار الميل يبدأ بخطوة واحدة.

مقالات ذات صلة