*كلام عقل/ د. محمد حسن الماحي الجارحي والراجحي!*

* إن كانت القاعدة الأولى للاستثمار هي عدم خسارة المال، والقاعدة الثانية هي عدم نسيان القاعدة الأولى، فإن القاعدة الأولى لجذب المستثمرين تتمثل في الاستقرار السياسي والأمني مع وجود بنية تحتية وبيئة قانونية؛ والقاعدة الثانية ضرورة التخلص من التعقيدات المصنوعة وتعنت الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية.
* ثلاث وقفات دارت بذهني كإقتصادي أكاديمي متخصص عطفا على واقعنا السياسي والأمني عند قراءتي أمس لخبر دخول رجل الأعمال المصري والنائب البرلماني محمد الجارحي للاستثمار في مجال التعدين بالسودان تلخصت في الأتي:
أولا: إعلان رجل أعمال بثقل الجارحي صاحب الطموح الممتد، والذي تقف خلفه أسرته الإقتصادية العريقة عن رغبته الأكيدة في العمل بالسودان هو بمثابة فتح جديد، وتأكيد رسمي أن الحرب بالبلاد تضع أوزارها، وما قامت به وزارة المعادن من نشر أخبار عن إعلان رغبة أو أتفاق مبدئي أو تفاهم سيعقبه اتفاقيات وتعاقدات هو في الأصل إعلان تعافي رسمي موجه للمستثمرين العرب، وبمثابة دعوة للجميع حتى يأتوا للسودان، ويطردوا من أذهانهم أن الحرب التي كانت مستعرة في أجزاء كبيرة من البلاد لم تعد تمثل عائقا للبناء والاستثمار، وأن قلوب أهل السودان مفتوحة قبل أبوابه للمستثمرين حتى يتسابقوا للعمل في مشاريع البناء والتنمية والإعمار.
ثانيا: كل من قرأ الخبر ركز مع موضوع الذهب لقناعتنا (الشعبية غير المسنودة بوقائع عملية ودراسات علمية) بسهولة التعدين فيه وعوائده العالية مع أن التعدين الحقيقي في المناجم الكبيرة أمر مختلف تماما من حيث الأليات والتخطيط والذهنية والقدرة والتنفيذ، ولكن ما لم يقف عنده أهل الاقتصاد هو أن ارتباط أسم (الجارحي) بالتعدين في الحديد تحديدا بالسودان سيحدث نقلة نوعية غير مسبوقة، فمجموعة حديد الجارحي التي تأسست قبل خمسة وأربعين عاما تضم الآن أفضل شركات تعمل في مجال صناعة الحديد والصلب، يأتي في صدر قائمتها “مصر الوطنية للصلب عتاقة” و “الشركة المصرية لمنتجات الحديد والصلب” و “الشركة المصرية للصلب”، فما أحوجنا في السودان الآن لمثل هذا المستثمر الذي يمثل قودة دفع حقيقية، ويأتي لبلادنا متكئا على خبرة واسعة وسيرة (فولاذية).
ثالثا: استثمار شركة مثل “ديب ميتالز” في السودان بقيمة 277.3 مليون دولار كضربة بدأية لن يحقق عائدا لخزينة الدولة فقط، ولكن الأهم أيضا تعهد الشركة بتنفيذ برامج تنموية في المجتمعات المحلية ضمن إطار مسؤوليتها المجتمعية.
* الحملة الشعواء التي شنها البعض على المشروع في مرحلته الأولى تعكس جهلا بطبيعة الاستثمار ومعرفة أصوله والقوانين التي تحكمه، ومن يهاجم قدوم مستثمر عربي لأن الشركة مديرها فلان، أو أن لديه رأي سلبي سابق في وزير التعدين والطريقة التي جاء بها فإنه للأسف يضر البلاد لا المدير أو الوزير، فما أحوجنا لأقلام تنظر بعمق وتُحكِّم صوت العقل، وتدرك معنى المصلحة العامة متجاوزة أجندتها المسمومة وصراعاتها القديمة، فالحرب التي عانى منها السودان لم تكن بسبب تبادل إطلاق النيران فقط، فكل من يعيق الاستثمار ويعمل على (تطفيش) رؤوس الأموال العربية يقود حربا على البلاد بسبب ضحالة الفكر والدوافع المريضة، والنظرة التي لا تتعدى أرنبة الأنف.
* يُحسب لرجل الأعمال الباشمهندس عمر النمير سعيه لاستقطاب أسماء عربية ذات ثقل ووزن، وخلق شراكات حقيقية تسهم في طفرة اقتصادية، وكل من يظن أن وجود اسم مدير معين يعني محاباة الشركة أو منحها أكثر مما تستحق عليه بالمطالبة بتفعيل قوانين الاستثمار الموجودة، والدعوة لتطبيقها دون مجاملة، فذاك أمر مطلوب، مع ضرورة توفير مناخ صالح للاستثمار، فمن يظن أن أبواب العالم سدت في وجه المستثمرين، ولم يعد لهم ملاذ غير السودان فهو يخدع نفسه، ودونكم أسماء كبيرة فقدناها في السنوات الماضية رغم أنها جاءت لبلادنا بحب دافق ورغبة أكيدة وكثير حماس.
* معلوم بالضرورة أن كل مستثمر يأتي ليستفيد أولا ثم ليفيد، فإن كان المناخ طاردا، والقوانين معقدة، والعوائق متجددة، والنفوس مريضة، فإنه سيبحث عن مكان آخر، لذا يجب أن تدرك قيادة الدولة أهمية مثل هذه الشراكات وتعمل على تشجيعها وتنسف المتاريس التي تقف في وجهها وتُعبِّد لها الطريق من كل العوائق والعقبات.
* كثيرة هي المتاريس التي وضعت في وجه رجال الأعمال العرب عند قدومهم للسودان، وقائمة الأسماء طويلة، والمعاناة ممتدة، ومن المستثمرين من صبر وقاوم ومنهم من فر بجلده، لذا علينا تغيير طريقتنا العقيمة في سودان ما بعد الحرب، ولنحتضن الجارحي ونستفيد من تجاربنا مع رفاق الراجحي.
د. محمد حسن الماحي

مقالات ذات صلة