*الفراغ الحكومي يدفع رئيس مجلس السيادة إلى الالتحام بالناس* عزمي عبد الرازق*

بالأمس تحرّك رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى حيّ المصطفى بشرق النيل، جلس إلى المواطنين، واستمع إلى شكواهم، ووعد بمعالجة المطالب الخدمية التي تقدموا بها. تلك الزيارة، التي سبقتها جولات سابقة له في أم درمان، وفي السوق المركزي بالخرطوم، وحضوره الضافي دون ترتيبات مسبقة، جذبت جماهيراً كثيفة وضعت آمالاً عريضة عليه. ثم انتقل البرهان إلى مناطق أخرى مثل القطينة، السريحة، وود النورة، وبعض مناطق شمال كردفان وغيرها، في جولة ميدانية واسعة شملت العاصمة وضواحيها.
ما الذي لفت نظرك في هذه التحركات المتكررة؟ بالتأكيد هو الفراغ التنفيذي الهائل الذي اضطرّ قائد الجيش إلى شغله بنفسه. فمهمة الحكومة المكلفة بإدارة شؤون البلاد — وعلى رأسها رئيس الوزراء الحالي — هي تلقّف هموم المواطنين والعمل الجاد لتنفيذ الحلول، ومتابعة الخدمات الضرورية، وجعل العودة الطوعية جاذبة، والتخفيف من آثار الحرب،. لكن رئيس الحكومة — حبيس المدينة الساحلية —، مشغول بقضايا انصرافية، لا تخدم المواطنين، ولا يحترم حتى وزير إعلامه، لك أن تتخيّل — على قول وجدي صالح — أو ربما عاجز عن القيام بواجبه الحقيقي. حتى بعد مأساة كالوقي، لم يُظهر أي ردة فعل إنسانية تواسي الجرحى أو تتفقد الضحايا.

في مقابل ذلك، خرج رئيس مجلس السيادة إلى الشارع، ليرى الناس، ويسمع منهم، ويتعهد لهم بالحلول. كما أن الزيارات الميدانية واللقاء المباشر مع المواطنين تمنح الناس “بصيص أمل” — وفيها تأكيد أيضاً على أن الفعل والأثر الطيب يصنعه من يقترب من مواجع الرعية، يمسح دموعهم، لا من يركن إلى مكتبه أو يقبع في الشواطئ، ويسجن نفسه خلف شاشة الهاتف.
يبدو أن هذا الواقع كان أحد أهم ما دفع جيراننا الإقليميين، خلال بيان مجلس التعاون الخليجي الأخير، إلى التأكيد على دعم “جهود سياسية” لتحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة السودانية عبر “حكومة مدنية مستقلة” تلبي تطلعات الشعب السوداني— بهذه الصيغة تحديداً — ما يعني أنهم لا يعترفون بحكومة كامل إدريس بوصفها “حكومة مدنية مستقلة” تُلبّي تطلعات الشعب السوداني.
وهذه الإشارة من مجلس التعاون ليست سوى اعتراف ضمني بأن “حكومة الأمل”، غير موجودة، وبلا أي تأثير، وأن أمل نفسه تخلّت عنها. وحتى الملف الخارجي، الذي كنا نعوّل على كامل إدريس فيه — بحكم خبراته السابقة — لإنهاء عزلة السودان الدولية، وإعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، ظلّ محلك سر.
إذن ما الذي يجعلنا نتمسّك بحكومة لا يعترف بها الجوار، ولا يعوّل عليها الشارع السوداني؟

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole