*ماركس في مواجهة شِلّة بورتسودان… حين يُفضح الخراب*

في كل مرة نعود فيها إلى ماركس، لا نعود إليه لأنه نبي، بل لأنه مرآة تكشف القبح حين يتصنّع الجمال، وتفضح رأس المال حين يتجمل بثوب الوطنية، ونخلع القناع عن الطغاة حين يتحدثون بأسم الجماهير. ومهما تغيّرت الأزمنة والأمكنة، يبقى الرجل الذي وصف الدولة بأنها “لجنة لإدارة شؤون البرجوازية” الأكثر قدرة على شرح ما يحدث في السودان اليوم… خصوصًا في بورتسودان، حيث تجلس بقايا النظام البائد على صدور الناس مثل كابوس طويل، وتدير الدولة كما لو كانت شركة خاصة ورثوها عن آبائهم.

نعم… ماركس لم يزر السودان، لكنه فهمه قبل أن يولد بورتسودان: مختبر انحطاط الدولة حين تتحول إلى أداة قمع طبقي

ما يحدث اليوم في بورتسودان ليس “حكم دولة”، بل حكم شِلّة امتصت دم السودان ثلاثين عامًا، ثم عادت لتجلس فوق أطلال الخراب باسم “الشرعية” و”السيادة”. وهذه الشلّة ليست سوى تجسيد حرفي لما كتبه ماركس عن البرجوازية الطفيلية: طبقة لا تنتج شيئًا، لا تبني شيئًا، ولا تؤمن بأي شيء… سوى بضرورة استمرار امتيازاتها.

ماركس كان سيضحك بسخرية وهو يرى بورتسودان وقد تحولت إلى “عاصمة مؤقتة”، لا لأن المدينة تستحق، بل لأن العصابة احتاجت مكانًا آمنًا تواصل فيه إدارة الدولة كغنيمة. ولأنه يعرف جيدًا أن البرجوازية المنحطة لا تستطيع العيش إلا في مشهدٍ خالٍ من الرقابة، بعيد عن الشعب، قريب من السلطة، ومحصّن بجدران الخوف.

حين يصبح السودان نموذجًا حيًا لكتاب “رأس المال

لو أراد أحد أن يشرح “الرأسمالية الطفيلية” لطلاب الفلسفة، فليأخذهم في جولة قصيرة داخل مكاتب المسؤولين في بورتسودان:
– رجال كانوا بالأمس جزءًا من ماكينة الفساد.
– عادوا فجأة
– يجلسون على مكاتب الدولة بوجوه جديدة، لكن بقلوب قديمة، ومفاهيم أقدم.

ماركس كان سيقول ببساطة: “هذه هي الطبقة التي لا تموت… لأنها لا تعيش أصلاً. إنها تتطفل، تتسلق، وتتغذى على عرق المقهورين”.

إنهم نفس الذين شقّوا البلاد نصفين، وفتحوا أبواب الحرب، ثم هربوا إلى البحر الأحمر ليعيدوا تدوير أنفسهم، ويصنعوا من الخراب سلطة، ومن الدم شرعية، ومن المعاناة مشروع دولة.

الصراع الطبقي في السودان: ليس بين فقراء وأغنياء… بل بين شعب وشِلّة

ما يحدث في السودان اليوم ليس صراعًا بين طبقات اجتماعية، بل بين الشعب بأكمله وطبقة مزيّفة ضيقة، تتحكم في الدولة وكأنها “منجم” خاص، تهب المناصب لمن تشاء، وتقصي من تشاء، وتُلبس الخراب ثوب القرار السيادي.

هذه الشلّة ليست برجوازية وطنية ولا طبقة وسطى صاعدة… إنهم مرتزقة السلطة، ورثة دولة الإنقاذ، “حراس” الامتيازات، وملّاك الخراب.
إنها طبقة تعيش خارج مفهوم الأمة، وخارج منظومة الأخلاق، وخارج حدود التاريخ.

ماركس لو شاهدهم لقال عبارته الأشهر:
هؤلاء ليسوا طبقة حاكمة… هؤلاء فضيحة اجتماعية تمشي على قدمين”

لماذا فشل السودان؟ لأن رأس المال القذر حكمه

السودان لم يفشل لأن موارده قليلة. لم يفشل لأن شعبه لا يعرف الديمقراطية. لم يفشل لأن الظروف كانت أقسى من اللازم.
السودان فشل لأن “الطبقة التي حكمته” كانت عدوانًا مباشرًا على فكرة الدولة نفسها.

كانت طبقة ترى في الجيش “شركة أمنية”، وفي الخدمة المدنية “مزرعة”، وفي الإعلام “مدفعًا”، وفي العدالة “مزاجًا شخصيًا”، وفي الناس “كتلة ضجيج يجب إخراسها”.

ماركس كان سيكتب فصلًا كاملًا عنهم بعنوان:
الطبقة التي لا تنتج إلا الخراب، ولا تصدّر إلا الفساد، ولا تستورد إلا الوهم”

بورتسودان: العاصمة التي صنعتها الجريمة

هل يمكن لعاصمة أن تُبنى على الخوف؟ على الهروب؟ على بقايا الفساد؟ على إعادة تدوير فشلة الأمس كأبطال اليوم؟
نعم. والدليل بورتسودان.

هناك، تتجمع “نخبة الخراب” التي هربت من الخرطوم وتركت الشعب تحت أنقاض المدينة، ثم جلست على الكورنيش تتحدث عن “إدارة الدولة في فترة حرجة”.

لكن ماركس كان سيقول لهم:
من يدير الخراب يصبح هو الخراب”

إلى شِلّة بورتسودان: أنتم لستم دولة… أنتم عقوبة

أخطر ما في شلّة بورتسودان هو أنها لا تشعر بالعار.
تجلس على كراسي الدولة كما يجلس السارقون على مسروقاتهم.
تتحدث عن الإصلاح كما يتحدث تاجر المخدرات عن محاربة الإدمان.
وتقدم نفسها كحامية للوطن… وهي لم تحمِ شيئًا سوى امتيازاتها.

ماركس لو عاد للحياة، لأعاد صياغة جملته الشهيرة:
الطبقة الحاكمة تُنتج طبقتها المضادة”

وهذه الطبقة اليوم تُنتج شعبًا غاضبًا، جائعًا، موجوعًا، لكنه واعٍ…
واعٍ بأن هذه الشلّة هي آخر بقايا النظام الذي أسقطه الناس، وأن وجودها اليوم ليس قوة، بل علامة ضعف، ومرحلة انتقالية قبل سقوط جديد.

السودان الجديد لن يُبنى من البحر… بل من حناجر الناس

ماركس كان يؤمن بأن التغيير يبدأ من الوعي.
والوعي اليوم في السودان أعلى مما يتخيلون.
الشعب قد يفقد كل شيء… إلا ذاكرته.
يعرف جيدًا من الذي سرق، ومن الذي كذب، ومن الذي قتل، ومن الذي أعاد نفسه من بوابة بورتسودان متخفّيًا في ثوب الدولة.

السودان لن يُنقذ باللجان، ولا بالمراسيم، ولا بتبادل السلطة بين الفاسدين.
السودان سينقذه شعبه… حين يقرر أن هذه الطبقة ليست “حاكمة”، بل “طارئة”، وأن البلاد أكبر من عصابات الموانئ، وأعمق من أكاذيب السياسيين، وأن الثورة لا تزال في صدور الناس… حتى لو سقط السلاح من أيديهم.

بورتسودان ليست العاصمة… بل الجرس الذي يعلن أن الطبقة القديمة تحتضر.
النظام البائد لم يعد نظامًا… بل مجموعة فزّاعات فقدت تأثيرها.
والسودان ليس دولة منهكة… بل مشروع نهضة ينتظر لحظة الانتقام من كل من شوّهوا تاريخها.

وماركس، لو كان بيننا، لكتب:
حين تتعفّن الطبقة الحاكمة… يولد الشعب من جديد”.

وأنا أقولها بوضوح لا يرتجف:
السودان سينهض… رغم أنف شِلّة بورتسودان، ورغم كل من يظنون أن السلطة حصان يمكنهم ركوبه إلى الأبد

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole