*ردّ على د. الواثق كمير: بين الهدنة والاستفتاء… وإعادة تعريف مسارات العملية السياسية وفق مبادرة الآلية الرباعية… مبارك اردول*

أعاد مقال د. الواثق كمير «بين الهدنة والتفاوض… والبحث عن الـ End Game» فتح النقاش حول طبيعة المسارات التي يجب أن تقود السودان إلى نهاية الحرب.
غير أنّ أي حديث عن “نهاية الطريق” لا يمكن أن يُفهم بمعزل عن المبادرة التي تأسست عليها العملية الحالية أصلاً، وهي مبادرة الآلية الرباعية، التي باتت — بوضوح — الإطار الدولي الأكثر تأثيراً في دفع مسار وقف الحرب وفتح المجال للعملية السياسية في السودان واستعادة الانتقال السياسي.

ولذلك لا بدّ من تحديد المسارات على ضوء هذه المبادرة، وتحديد طبيعة الجهة الراعية لها، ودعنا نبدا بالآلية الرباعية نفسها نعرّفها لنتوقع دورها.

هل الآلية الرباعية: مجرد وساطة تقليدية… ام آلية نفوذ دولية؟

أشرتُ في مناقشات سابقة إلى أن الآلية الرباعية ليست “وسيطاً” بالمعنى الكلاسيكي (طرف يقف بين طرفين متصارعين)، وإنما هي آلية دولية تستخدم نفوذ دول مؤثرة في السودان للضغط نحو وقف الحرب وإعادة المسار السياسي.
فهي تمثل مصالح ونفوذاً إقليمياً ودولياً كبيراً، وتتحرك باعتبارها جزءاً من بنية القوة الجيوسياسية، لا باعتبارها “مكتب وساطة” عادية تستقرا آراء الأطراف المعنية.

هذا التوصيف ضروري لفهم العملية السياسية نفسها:
فالرباعية ليست مجرد منصة للحوار، بل قوة ضغط تسعى لصناعة ظروف تقود إلى هدنة أولاً، ثم إلى عملية سياسية لاحقاً.
ومتى فهمنا هذا التعريف، يصبح من الأسهل التعامل مع المسارات التي اقترحتها الرباعية، لأنها لم تكن مجرد مقاربة تفاوضية، بل إطار نفوذ دولي يسعى لإعادة ضبط موازين الصراع داخل السودان.

وبناءً على هذه المبادرة، تتحدد المسارات التي يجب أن يعتمد عليها أي اتفاق قادم.

المسار الأمني الإنساني : تفاوض عسكري–عسكري تحت سقف مبادرة الرباعية

المسار الأول هو مسار أمني بين القوات المسلحة والدعم السريع، وهو الامتداد الطبيعي لمحادثات جدة التي كانت جزء من الرباعية راعيها ومُسيّرها الأساسي.
ويتكوّن من مرحلتين:
1. ترتيبات تكتيكية: وقف عدائيات إنساني، تسهيل المساعدات، حماية المدنيين.
2. ترتيبات أمنية نهائية: وقف إطلاق النار الدائم، إعادة الانتشار، جمع السلاح، والدمج.

ولا يجوز الخلط بين هذا المسار وبين العملية السياسية. فالرباعية نفسها — باعتبارها آلية نفوذ — صممت هذه العملية بحيث يكون التفاوض الأمني محصوراً في الطرفين العسكريين فقط.

ولذلك فإن القياس على نيفاشا، كما طرحت كخيار في مقالة دكتور الواثق او كما يفعل البعض، غير وارد.
فالدعم السريع ليس طرفاً سياسياً، ولا مفوّضاً للتفاوض حول نظام الحكم أو مستقبل الدولة.
وإدخاله في مسار سياسي يعني إعادة إنتاج خطأ هيكلي سيخلط العملية منذ بدايتها.

المسار السياسي: مدني بالكامل… وموقع ” تحالف تأسيس ” ضمن هذا الإطار.

وفق تعريف الرباعية لطبيعة العملية، فإن المسار السياسي مدني خالص، يناقش مستقبل الحكم، في الانتقال وشكل الدولة، الدستور الانتقالي، وإعادة بناء المؤسسات.

وفي هذا الإطار، لا يوجد — من حيث المبدأ — ما يمنع تحالف تأسيس من المشاركة في العملية السياسية، إذا ما حلّ مسألة ارتباط قيادته بالدعم السريع.
فالعملية السياسية تتعامل مع الكيانات المدنية باعتبارها قوى مستقلة عن الأذرع العسكرية وغير خاضعة لها.

والمعيار واضح:
هو دخول كل الأطراف المدنية ككيانات مدنية مستقلة، غير خاضعة للتأثير من الجهات العسكرية التي يجب بالضرورة خروجها جميعاً من هذا المسار، ولا يوجد مسار سياسياً هجينا بين “مدني” و“تابع عسكري”.
وهذا ما تتطلبه مقاربة الرباعية نفسها.

الاستفتاء الشعبي: المسار الأكثر قوة لإسناد الهدنة سياسياً…

في ظل تشتت المواقف تجاه الهدنة، ووجود رفض حاد من جهات متعددة، فإن أي هدنة — بصيغتها التي تدفع إليها الرباعية — تحتاج إلى شرعية شعبية حتى تتحول إلى مسار سياسي مستقر.

من هنا يبرز الاستفتاء الشعبي بوصفه الخيار الأكثر قوة لإسناد الاتفاق:
• هدنة تُوقّع ضمن المسار الأمني،
• بيئة حريات تُطلق قبل أي تصويت،
• ثم عرض الاتفاق للاستفتاء الشعبي.

النتيجة هنا تؤسس لشرعية لا يمكن الطعن فيها:
• إن وافق الشعب تتحول الهدنة إلى مسار سلام مستقر.
• إن رفض يُعاد التفاوض بهدوء، ولكن تحت مظلة وقف إطلاق النار الذي يجب أن يستمر لحماية المدنيين.

وهذا المسار يمنع أن يتحول مستقبل البلاد إلى “مساومة بين العسكريين”، ويمنع أيضاً أن تكون العملية السياسية مجرد نتاج لضغوط دولية دون سند شعبي.

الردّ على سؤال د. الواثق كمير: ما هو الـ End Game؟

إذا كانت مبادرة الرباعية قد صممت العملية في مسارين، فإن الـ End Game لا يمكن أن يكون إلا بالجمع بينهما وفق ترتيب واضح:
1. مسار أمني واضح لإنهاء الحرب.
2. مسار سياسي مدني يحدد مستقبل الحكم.
3. استفتاء شعبي يمنح العملية شرعيتها النهائية.

بهذه الصيغة فقط تتقاطع إرادة الداخل مع نفوذ الخارج، وتتحول مبادرة الرباعية من “ضغط دولي” إلى “مسار شرعي شعبياً”.

والنهاية التي تُطلب هنا ليست مجرد إعادة ترتيب للقوة، بل تأسيس لشرعية وطنية جديدة تمثل الحد الأدنى من التوافق وتمنح سلاماً يمكن أن يعيش.

خلاصة

لا يمكن فهم العملية السياسية الحالية — ولا نقدها — من دون إعادة تعريف دور الآلية الرباعية باعتبارها آلية نفوذ وليس وساطة.
وبناءً على ذلك تتحدد مسارات العملية:
مسار أمني بين الأطراف المسلحة، ومسار سياسي مدني، واستفتاء شعبي يربط بينهما ويمنح الاتفاق شرعيته.

وهذا — في تقديري — هو الردّ العملي والمنهجي على سؤال د. الواثق كمير حول الـ End Game.
6 ديسمبر 2025م

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole