في السادس من أكتوبر 2025 سجّل التاريخ لحظة فارقة حين أدانت المحكمة الجنائية الدولية علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بعلي كوشيب قائد ميليشيا الجنجويد السابق بتورطه المباشر في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2004 وكان حكم المحكمة تتويجًا لمسار طويل من المطاردة القانونية والتوثيق والشهادات التي جمعتها فرق التحقيق الدولية والمحلية على مدى عقود وأظهرت المحكمة أن كوشيب لم يكن مجرد منفذ بل العقل المدبر لكل عمليات القتل الجماعي والاغتصاب والتعذيب والإبادة التي طالت المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال والرجال وكانت دارفور بالنسبة لنظام البشير حقل تجارب لتطبيق سياسات الإبادة والتطهير العرقي وتجريب ميليشيات الجنجويد كأداة تنفيذية للهيمنة والقمع واختبار أساليب الترهيب والقمع على المدنيين وتوظيف القتل المنظم لإخضاع المناطق المستهدفة سياسيًا واجتماعيًا وأدانت المحكمة كوشيب بسبع وعشرين تهمة شملت القتل العمد والاغتصاب والاضطهاد والإبادة الجماعية الجزئية والتطهير العرقي وإجبار السكان على النزوح القسري ونزع ممتلكاتهم وكانت شهادات الضحايا والمستندات والأدلة المادية مفصلة تكشف حجم الرعب الذي زرعه كوشيب في القرى الأربعة كودوم وبنديسي ومكجر وديليج وحوادث قسوة لا يمكن تصورها حيث أمر المدنيين بالوقوف تحت تهديد الأسلحة واعتُدوا عليهم بالفؤوس والرصاص واغتصبت النساء جماعيًا وقتل الرجال أمام أعين أطفالهم وروت إحدى النساء من سكان القرى التي داهمها كوشيب وهي تعمل في الحقل الطبي بأنها شهدت فظاعة العبث بالأعضاء التناسلية للنساء وأشارت إلى طفلة تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا كانت ضحية اغتصاب جماعي من قبل مجموعة من الجنجويد وبعد انتهاء الفعل الوحشي أغلقوا جهازها التناسلي باستخدام أداة طبلة بطريقة وحشية وقالت إنها لم تعد ترغب في تذكر المشهد لأنه محفور في ذاكرتها إلى الأبد وأضافت أن العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا بمحاكمة من جندهم ومن دعمهم وسلّحهم لتكملة هذا الإرهاب الجسدي والنفسي وأن القصاص العادل يتطلب محاسبة الجميع لا مجرد إدانة واحدة.
وقال أحد أبناء المنطقة التي ارتكب فيها كوشيب الإبادة وفضل حجب اسمه إن المحكمة الجنائية أخيرًا انتصرت انتصارًا جزئيًا بإدانتها لعلي كوشيب مرتكب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وكان أملهم أن يروا كل المشاركين في هذه الابادة لديه من أمره وسلحه أيضًا لأن ما ارتكب بحق أهلهم جريمة هناك أطراف أخرى لم تحاكم اتمنى أن يقبض عليها وأضاف أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وأن هناك المزيد من المتهمين الذين يجب أن يقدموا للمحاكمة في الوقت الذي لم تتعظ فيه حكومة البشير من هذا السلوك الإرهابي وإذا ما ارتكبت نفس الأخطاء بتجنيدها حميدتي وسلحته ليقوم بنفس خطة التطهير فإن التاريخ والعدالة سيكونان في مواجهة مباشرة مع هؤلاء الجناة وأكد الناشط القانوني محمد أن المحكمة الجنائية رغم التأخير في إصدار أوامر القبض على البشير وعبدالرحيم محمد حسين وآخرين إلا أنها بدأت في إحقاق الحق بإدانتها لعلي كوشيب الرجل الذي نفذ جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي لقبائل كان يسميها هو ونظام البشير بالقبائل غير العربية لذلك أجدد دعوتي للمحكمة الجنائية بضرورة تنفيذ العدالة في البشير.
التحقيقات أمام المحكمة كشفت عن شبكة معقدة من التحالفات بين قادة مسلحين ودوائر رسمية وأسواق سلاح محلية وإقليمية غُذيت خلالها أيديولوجيات تبرر العنف وتتيح استخدام الميليشيات وسلاح الدولة ضد السكان المدنيين بشكل ممنهج وكان الهدف من هذا النظام استخدام دارفور كحقل تجارب لتقييم استراتيجيات الترهيب والإبادة والتهجير وتشكيل نظام هيمنة استبدادي يطبق عبر الإرهاب المنظم والتطهير العرقي وهو ما أكدت عليه المحكمة من خلال الأدلة التي ربطت كوشيب مباشرة بكل العمليات ووضعت صورته في قلب آلة القتل الممنهج التي وظفها النظام ومن جانب الضحايا لا تزال آثار الجرائم باقية وندوبها النفسية والاجتماعية والاقتصادية تتوارثها الأجيال فقد نزح آلاف المدنيين وفقدوا ممتلكاتهم ومصادر رزقهم وتهشمت خلايا الأسرة والمجتمع واهتزت الثقة بين الجيران والقرى ما يستلزم برامج شاملة لإعادة الحقوق وبناء الروابط المجتمعية وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي إلى جانب ملاحقة القانونيين لكل من ساهم في تمويل وتسليح الميليشيات وتبييض جرائمها ويظل التحدي الأكبر هو ترجمة حكم المحكمة إلى مساءلة فعلية تشمل القبض على جميع المتورطين وتنفيذ العقوبات ورد الحقوق للضحايا وضمان ألا يبقى الانتصار الجزئي مجرد وثيقة تاريخية بل خطوة عملية لتحويل العدالة إلى واقع ملموس على الأرض ويجب أن تشمل الإجراءات التحقيقات المحلية والدولية لحماية الشهود وتوثيق الجرائم واستكمال المحاكمات بحق كل من ساهم في الإبادة والتطهير عبر التمويل أو التسليح أو التخطيط أو الدعم السياسي والاجتماعي والسيطرة على الإعلام والموارد.
وقد شدد المحللون القانونيون على أن الحكم يحمل دلالات استراتيجية مهمة إذ يثبت مبدأ أن القادة المحليين والدوليين الذين يستخدمون القوة ضد المدنيين سيحاسبون وأن الأدلة الاستقصائية والبحثية والحقوقية قادرة على كشف الحقائق وتغيير موازين القوة لصالح الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان اعتبرت الحكم رسالة قوية لكل من يظن أن الإفلات من العقاب ممكن ولكنها طالبت أيضًا بآليات إضافية لتوسيع المحاكمات لتشمل رموز النظام السابق والمجموعات المسلحة المرتبطة به ولضمان شمولية العدالة ويظل السؤال الأكبر هو هل ستتحول هذه الإدانة التاريخية إلى تغيير حقيقي في حياة ضحايا دارفور أم ستبقى مجرد وثيقة رمزية الجواب يتطلب إرادة سياسية محلية وإقليمية ودولية لملاحقة شامل لكل من ساهم في الإبادة وإعادة الحقوق لضحايا دارفور وإلا ستظل دماء الضحايا شاهدة على إخفاق المجتمع الدولي في منع الكارثة قبل وقوعها وهو درس صارم يجب استخلاصه لجهود مستقبلية لمنع تكرار الجرائم ضد المدنيين.
تظل إدانة علي كوشيب محطة فارقة في سجل محاسبة الجناة لكن صوت الضحايا وشهادات الناشطين القانونيين يجب أن يظل صدى متواصل في أروقة العدالة الدولية ليحفز المحققين والصحفيين والفاعلين المدنيين والسياسيين على فتح ملفات جديدة وكشف كامل شبكة الفاعلين وتحويل الانتصار الجزئي إلى عدالة كاملة تليق بضحايا دارفور وكرامتهم وللتاريخ ستظل دارفور شاهدة على ما ارتكبها نظام البشير من تجارب دموية واستخدام الميليشيات وسلاح الدولة كأداة للإرهاب المنظم والتهجير القسري وتجريب سياسات القمع والهيمنة التي لم تتوقف آثارها حتى اليوم وهذه الشهادات والتوثيقات هي مسؤولية أخلاقية وقانونية على الجميع لضمان ألا يكرر التاريخ نفسه