موقع نزيف” العبري المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية
الولايات المتحدة تكثف إجراءاتها ضد النشاط الإيراني في السودان
التقرير:
سلطت العقوبات الأمريكية على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم وكتيبة البراء بن مالك الضوء مرة أخرى على النفوذ الإيراني في السودان والعلاقة المتنامية بين طهران وعدد من الجماعات الإسلامية والشخصيات السياسية في البلاد.
وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن الهدف من هذه العقوبات هو الحد من نفوذ الإسلاميين في السودان، والحد من أنشطة إيران الإقليمية التي تساهم في زعزعة استقرار البلاد.
وكان إبراهيم، الذي يرأس حركة العدل والمساواة، قد زار طهران في نوفمبر 2024، حيث اتفق الجانبان على زيادة التعاون.
وعادت العلاقات الدبلوماسية بين طهران والخرطوم إلى طبيعتها في عام 2024، بعد خلاف دام قرابة ثماني سنوات، عقب اقتحام متظاهرين للسفارة السعودية في طهران.
وفتحت هذه الخطوة الباب أمام التواصل الإيراني المباشر مع القوى السياسية والجماعات المسلحة الإسلامية، وعلى رأسها لواء البراء بن مالك الذي عاود الظهور كقوة في العام 2023، وقاتل ولا يزال إلى جانب الجيش في معاركه ضد قوات الدعم السريع.
وهذه المجموعة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في السودان وتستقطب الشباب أغلبهم من المنظمات الطلابية.
الوجود العسكري الإيراني في السودان
قال “كاميرون هدسون”، الباحث في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “هناك معلومات جديدة في العقوبات الأمريكية تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني موجود بالفعل على الأرض، ويُقدم التدريب لعناصر من القوات المسلحة السودانية”. وأضاف: “ما سمعناه من السلطات السودانية هو أن النفوذ الإيراني ليس كبيرًا، وأنهم لم يعتمدوا على إيران لتزويدهم بالأسلحة”.
لكن الواقع يختلف عما يقوله المسؤولون السودانيون.
ومع اندلاع المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش في العام 2023، احتاج الأخير إلى مصادر جديدة للأسلحة، ووجدت طريقها إلى إيران.
وذكرت عدة تقارير أن طائرة إيرانية هبطت في بورتسودان يوم 17 مارس 2025، وهي تحمل طائرات مسيرة هجومية من طراز مهاجر 6 وأبابيل 3 وصواريخ مضادة للدبابات، قبل أن تعود إلى طهران في اليوم نفسه.
وتبرر واشنطن العقوبات على إبراهيم ولواء البراء بتورطهما في تقديم مساعدات عسكرية للجيش عبر قنوات تمويل مرتبطة بطهران.
وبحسب عدة تقارير صحفية فإن معظم مقاتلي البراء بن مالك، الذين بلغ عددهم نحو 20 ألف مقاتل، كانوا أعضاء في قوات الدفاع الشعبي التي شكلتها الحركة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي لدعم الجيش ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب البلاد.
وظلت المجموعة التي يقودها مصباح أبو زيد طلحة بعيدة عن الأضواء كل تلك السنوات، حتى عادت للظهور مع اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
وتعتبر كتيبة البراء المسلحة بكثافة بالأسلحة الإيرانية، من أهم المجموعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وتتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القضاء والاعتقالات التعسفية والتعذيب.
ويعتبر وزير المالية السوداني، الذي يرأس حركة العدل والمساواة، معروفا بعلاقاته الوثيقة مع الإسلاميين.
وتعتبر الحركة منظمة مسلحة في دارفور، ومعروفة بعلاقاتها التاريخية مع عدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين في السودان، ومن بينهم حسن الترابي.
ونشرت الحركة آلاف المقاتلين في المعارك، ودعمت الجيش السوداني، كما اتُهمت بارتكاب جرائم قتل وتشريد المدنيين.
ونفت الحركة أن تكون تابعة لأي مشروع أيديولوجي أو ذراع خارجي، ووصفت زيارة إبراهيم إلى طهران بأنها “عمل رسمي مشروع في إطار مهامه كوزير”.
ومع ذلك، أشار هدسون إلى أن إضافة وزير المالية إلى قائمة العقوبات يُعدّ تحذيرًا واضحًا للحكومة السودانية. وقال: “أعتقد أنه تحذيرٌ لا أكثر. ذهب جبريل إلى إيران بحثًا عن تمويلٍ للحكومة، وهناك شائعاتٌ بأن الإيرانيين يبيعون أسلحةً للجيش. أعتقد أنه تحذيرٌ واضحٌ جدًا للحكومة السودانية، بأنه إذا حاولت أي نوعٍ من التواصل الرسمي مع الحكومة الإيرانية، فستواجه عواقبَ فوريةً”.
تأثير العقوبات الأمريكية
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العقوبات الأميركية ستؤدي إلى قطع العلاقات بين إيران والسودان، أو بين إيران وبعض القوى والمنظمات الإسلامية هناك.
يرى المحلل العسكري عامر حسن عباس أن العقوبات على الأفراد لا تُضيف الكثير إلى العقوبات المفروضة على السودان نفسه. ويرى أن “علاقات إيران بالسودان تقتصر على المستوى السياسي، ولا يوجد استغلال إيراني لعدم وجود قواعد عسكرية أو بعثات تدريب عسكرية”.
لكن الإدارة الأمريكية ترى أن التعاون العسكري بين السودان وطهران يهدد الاستقرار الإقليمي، وخاصة في منطقة البحر الأحمر، ويمنح إيران موطئ قدم استراتيجي في القارة الأفريقية.
وأكدت الحكومة السودانية أن العقوبات الأمريكية لا تساعدها على تحقيق أهدافها المرجوة، وأنها تنظر إلى الأمر من منظور حق البلاد السيادي في التعامل مع العقوبات الخارجية، وأنها غير خاضعة لأي إملاءات إيرانية.
وبناء على هذه المواقف، التي لا تشير إلى تغير كبير في العلاقات بين طهران من جهة والحكومة السودانية وعدد من الأطراف الأخرى من جهة أخرى، فإن أبواب السودان تبقى مفتوحة للتدخل الأجنبي حتى إشعار آخر.