خلال أسبوع مضى ثمة عدد من المواقف والتصريحات السياسية على الصعد دوليا و واقليميا ومحليا ، أرى انها مرتبطة ببعضها وكانت مثار اهتمام المراقبين والمهتمين باالاحداث العسكرية والسياسية بالسودان ، حيث اثارت هذه التصريحات والمواقف جدلا واسعا وربما ستشكل المشهد السياسي خلال الفترة القريبة المقبلة. ابرزها تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب خلال لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي أشار فيها الى انه لم يكن على علم بتفاصيل ما يجري بالسودان وان بن سلمان اطلعه بحقيقة ما يحدث ، وان ترمب قال انهم في البيت الابيض بدأوا العمل بشأن ازمة السودان مباشرة بعد نصف ساعة من لقائه بن سلمان ، هذا التصريج قوبل بارتياح وقبول من الحكومة السودانية وبترحيب حذر من عدد من التيارات السياسية المناوئة على عكس ما ردة الفعل تجاه مبادرة الرباعية ، غير ان تصريحات ترمب يبدو أنها أثارت حفيظة حكومة ابوظبي ، خاصة وانها فهمت على نحو يجعل المملكة العربية السعودية ممسكة بملف السودان ، وتهميش دور الرباعية التي بالتاكيد يرى مراقبون ان الامارات تسيطر على نهج وساطتها وقراراتها بشأن السودان ، وعليه سارع ترمب وفي محاول لارضاء ابوظبي بتصريحه لموقع جست_ذا_نيوز والذي اكد فيه للموقع ان الوثائق النهائية قيد الصياغة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية ، وبالفعل نزل هذا الموقف بردا وسلاما على الامارات ولا زالت الوكالات والفضائيات التي تعمل تحت امرة حكومة ابوظبي تحتفي وتبشر بهذه التصريحات التي يراها نظام بن زايد انتصارا نوعيا امام حكومة السودان بقيادة البرهان والتي سقف من خلفها نظام الانقاذ الاخواني بحسب زعمهم ، ذلك لو اعتبرنا ان ترمب حاول في لحظة انفعال بنشوة اعلان الرياض استثمار 600 مليار دولار مع واشنطن مجاملة بن سلمان بشأن السودان ، فإن ابوظبي سبقت الرياض قبل اشهر إبان زيارة ترمب لاراضيها عقب فوزه بالرئاسة الامريكية ، واعلنت عن استثمار ترليون دولار مع الحكومة الامريكية ، مما يجعل الاخيرة حريصة على عدم تعكير صفو العلاقة مع الامارات حتى تمضي صفقة التلفون على أكمل وجه ، ولكن في الحقيقة ان مسعى واشنطن لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، يتجاوز الفهم السطحي كونه ارضاءا لابوظبي لاعتبارات مصلحية فقط ، إلى أنه قرارا ذو طابع تكتيكي مخابراتي محكم ، ويبدو انه مدروس بعناية قصد منه تحقيق عدة اهداف اخرى اولها تحجيم محاولة تركيا كدولة تتبنى الاسلام السياسي ، وتتعاطف مع التيارات الاسلامية في عدة دول، من ان تأخذها تلك العاطفة للدخول بثقلها في الصراع السوداني وقطع الطريق امام دعمها النوعي للجيش بقيادة البرهان . خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي مؤخرا بجنوب إفريقيا والتي قال فيها” إن السودانيين يطلبون منا المشاركة في حل مشاكلهم وسنسعى معهم لتحقيق السلام ببلادهم ” ، هذا اضافة الى تصريحات سابقة لاوردغان المح خلالها الى ان امن السودان من أمن تركيا ، وفقا لذلك فقرار تصنيف الإخوان بالتاكيد سيشوش على تركيا في تعاملها مع السودان بصورة او بأخرى ، والهدف الثاني من تصنيف جماعة الإخوان هو تحييد القاهرة ، فالموقف المصري من ازمة الصراع في السودان واضح منذ البداية في وقوفها مع مؤسسة الجيش السوداني في حربها ضد مليشيا الدعم السريع ، وهذا الموقف طالما سيقف عقبة امام الرباعية التي مصر عضو فيها تحقيق هدفها الاولي وقف إطلاق النار عبر التوصل لهدنة ملغومة ومن ثم تحقيق اهدافها النهائية والمتمثلة في فرض سلام مبني على منح المليشيا دورا عسكريا وسياسيا ضمن مستويات الدولة عقب انهاء الحرب ، واعادة قادة صمود لحكم البلاد تحت غطاء الحكم المدني . مع تحجيم دور الجيش السوداني عبر هيكلته بحجة تغلل جماعة الإخوان المسلمين داخله ، وعليه فإن تصنيف جماعة الإخوان منظمة ارهابية يضغط على القاهرة التي تعادي انظمتها تاريخيا جماعة الإخوان المسلمين ، وحاليا يلاحق نظام السيسي قادة وعناصر هذه الجماعة ، فهذا القرار سيجعل الحكومة المصرية في موقف حرج من اعتراض الرباعية في مسعاها ، سيما ان الرباعية تتدثر بغطاء إقرار هدنة لاغراض انسانية ، وما إعلان قائد مليشيا الدعم السريع يوم الاثنين هدنة ووقف إطلاق النار من جانب واحد إلا محطة ومرحلة من مراحل محاولة خنق الجيش دوليا والضغط على البرهان لقبول الهدنة ، من خلال اظهار المليشيا بمظهر الحادب على السلام وعلى حياة المواطنيين والجيش السوداني عكس ذلك ، كل ذلك رغم أن وزير الخارجية الامريكية مارك روبيو كان قد اتهم قبل اسابيع في تصريح له اتهم مليشيا الدعم السريع بارتكاب جرائم والتسبب في الازمة الإنسانية بدارفور ، ووصف المليشيا بالمخادعة في قبولها للهدنة وأكد انها لن تلتزم بها ، مما يبين بوضوح التناقضات في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه الخرطوم.
ومن الدلائل على ان هذا القرار المتوقع من ترمب بخصوص الإخوان المسلمين جاء وفق خطة مخابراتية مدروسه انه يجيء متناغما مع موقف مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس وهو حاليا موكل بهندسة مبادرة الرباعية ، حيث ذكر بولس في اكثر من مناسبة انه يجب منع جماعة الإخوان المسلمين في السودان من العودة للحكم مما أثار سخطا وسط قطاعات واسعة في السودان ، والاخطر من ذلك ما كشفه رئيس مجلس السيادة وقاعد الجيش البرهان في حديثه لمجموعة من ضباط الرتب العليا بالقوات المسلحة ، أن الورقة التي قدمتها الرباعية عبر مستشار ترمب مسعد بولس تلغي وجود القوات المسلحة السودانية وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها ، وبالطبع إلغاء الجيش والاجهزة الامنية بحجة انها تضم جماعة الإخوان، وهنا لا مجال للصدفة في تزامن هذا الطلب من بولس مع تصريحات الرئيس الامريكي عزمه تصنيف الجماعة منظمة إرهابية ، متزامنا كذلك مع حملة إعلامية مكثفة متناغمة لقيادات مجموعة صمود ومناصروها تدعم خطوة ترمب ضد الاخوان وهذه الحملة تهدف لإثبات ولفت انتباه الجانب الامريكي الى ان الجماعة تسيطر على الجيش و على القرار في الدولة السودانية.
وإن كان قرار ترمب تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية سيؤثر على تنظيم الجماعة عالميا في تقييد حركة قادتها وعناصرها دوليا وسيحد بصورة او بأخرى من حركة اموالها وتمويلها ، وكذلك سيقلل بشكل كبير من انفتاح الجماعة بعلاقاتها عالميا ،.
أما فيما يخص السودان ، فمن الواضح والاكيد أن قرار تصنيف الإخوان مقصود به الحركة الاسلامية ، ورسالة في بريد البرهان فحواها نه آن الأوان للتخلي عن العون والدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه الحركة الاسلامية لحكومته والتخلص من ما تزعم واشنطن ودوائر اقليمية و غربية انهم اخوان مسلمين يتحكمون في قرارات البرهان .
فكيف سيؤثر قرار ترمب تصنيف الاخوان المسلمين جماعة ارهابية على ازمة الصراع السياسي والعسكري في السودان ؟
ماهي حقيقة تحكم الاسلاميين وتاثيرهم على قرارات الحكومة والجيش بقيادة البرهان ؟ .
يتبع مقال (2)




