*سلام يا صاحبي… ضياء الدين بلال*

في نوفمبر 1999 دخلتُ مباني صحيفة الرأي العام صحفياً ناشئاً يبحث عن موطئ قلم بين صحفيين وكتاب في ذروة التميز والمهنية. كانت الرأي العام منذ تأسيسها عام 1945 مدرسة راسخة التقاليد والأعراف، كل شيء فيها له رهبة وجمال، وكل تفصيلة محسوبة: الكلمات وعلامات الترقيم، وحتى الخطوات والأنفاس.

كان قسم الأخبار، برئاسة العالم حسن البشاري، يضم أميز المخبرين في الوسط الصحفي آنذاك. وبين هؤلاء أكرمني الزمن ووافاني القدر بمعرفة أخي الحبيب محمد عبد القادر ود الناظر مزيج إنساني فريد، أدب وذوق ولطف، وذكاء مهني واجتماعي نادر المثال وفوق ذلك مقدرة كبيرة على تحمل الصعاب وتجويد العمل في أحلك الظروف: المرض والسهر والحبون.
آه من الحبون، رأيته يكتب الأخبار وهي تنفجر على ظهره والابتسامة لا تفارقه.

في كتابته أنفاس الشعر، وفي أفكاره حكمة الفلاسفة، وفي قلبه شلالات من الود والمحبة، عطاء لا ينقطع، وحس مرهف (أبو حنين).

ذهبت معه، في اليوم التالي لمعرفتي به، إلى منزلهم بالكلاكلة. من الباب والاستقبال والترحاب أدركت أنني في ضيافة أسرة استثنائية.
أب معلم من الزمن الجميل حين كان القمح أقمح والسمح أسمح؛ الأستاذ المرحوم عبد القادر الناظر، يجمع بين اللطف والوقار والمعرفة الموسوعية والأصالة الريفية الراسخة رسوخ شلوخه.
والوالدة الحاجة نفيسة فيض من المشاعر الدافئة الحنونة.
والأخوات خديجة وحنان ورؤى وسارة، والأخ الجسور صلاح، جميعهم يرسمون لوحة أسرية فائقة الجمال والبهاء.
بينهم لا تشعر بغربة ولا بأنك ضيف عابر. من هذا النبع العذب خرج محمد ود الناظر صحفياً وكاتباً وإنساناً نسيج وحده، صافي النية، طاهر الضمير. عرفته في السراء والضراء، وحين البأس أخاً وصديقاً عزيزاً، أخو إخوان، شيال تقيلة.

انتقل أبو حباب من نجاح إلى نجاح، واثق الخطى مطمئن القلب. الصحيفة التي دخلها متدرباً بجزمة بوت وبنطال جينز، أصبح رئيس تحريرها عن جدارة واستحقاق.

ورغم أنني لا أحبذ أن يتحول أي صحفي، لا سيما بمقدرات أبي حباب، إلى موظف أو مسؤول حكومي، إلا أنني سعدت باختياره مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس.
فالرجل ذو مقدرات إدارية متميزة، وحضور إعلامي باذخ، وشبكة علاقات واسعة، وستكون خبراته هذه في خدمة الدولة السودانية وهي تخوض حربها الوجودية ضد العدوان والارتزاق.

المناصب عابرة والمقاعد زائلة ويبقى الأثر والعطاء ، والصحافة عشق وموهبة وعقيدة والتزام عند الحبيب أبو حباب، قبل أن تكون مهنة ومصدراً للرزق.
والطريق طويل، ولا يزال بإذن الله متسعاً لبدايات جديدة خضراء.
دمت بخير يا صديقي الحبيب.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole