بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة إفريقيا العالمية
الدكتور مرتضي سليمان:
اسطورة الموقف،،،،
تاج الدين بشير نيام
السؤال الجدلي الفلسفي الذي يصعب الاجابة عليها حتي الان:هل الناس والقيادات، خاصة المتميزون منهم يخلقهم الظروف/ الاحداث ؟؟!
ام ان الظروف/والاحداث خاصة الخطيرة هي التي تخلق قيادات و بطولات تظل منارة للاجيال القادمة؟
ولكن قبل ان اجتهد و اسعي للاجابة علي هذا الخلاف الفلسفي، منطلقا من قناعاتي و ملاحظاتي، وتجربتي الشخصية ، هناك نقطة مهمة جديرة بالاهتمام و يستدعي تسجيلها. و هو ان كثيرا من صانعي الاحداث و البطولات التي تصدت لها في وقتها و بعزيمة كبيرة و بطريقة عفوية تضمحل دورهم، و يظهر اخرون اقل حظا و يسدون الفراغ، و بالتالي يصبح هم الابطال الحقيقين لذلك الحادثة، وهذا يعني تنسب الانجازات لغير صانعيها الحقيقيين.
و هذا دفعني علي تسجيل الاحداث منذ الفترة الاولي من الاحداث والمواقف حفاظا علي تاريخ يعكس الواقع ويعطي كل ذي حقه حقه، وتحديدا موقف الدكتور مرتضي سليمان نائب المدير للشؤون الادارية والمالية . وقصدي من هذا المقال كذلك نقل الواقع والظروف والبيئة التي عمل فيها الدكتور مرتضي سليمان منذ الثواني والدقائق الاولي للاحداث و رئاسته لغرفة العمليات الطارئة للازمة بالجامعة لاحقا و مديرا مكلفا كذلك.
كان يوم 15 ابريل 2023,ليس كغيره من الايام، اذ استيقظت الجامعة والعاصمة القومية بتبادل رصاصات تطلق من مواقع مختلفة بين الجيش والدعم السريع، كان احد مواقع تبادل الرصاص منذ الوهلة الاولي جنوب الجامعة بعدة امتار فقط.فعلي اصوات الرصاص “ انطلقن البنات و بصورة هستيرية من الطوابق العليا للسكن الجامعي الي ساحات الداخلية” وبعضهن لم يسمعن صوت الرصاص ابدا في حياتهن كما قلن لاحقا.
فكان الاخ الدكتور مرتضي قدره ان يكون المتلقي الوحيد للطالبات في تلك اللحظة التاريخية الحرجة. فاندفع نحوها البنات زرافات ووحدانا. تعلقت بعضهم في كتفيها، و اخذ بعضهن في يديها مع صراخ”يدوخ”. انضم اليه نفر كريم د. مزمل، رئيس السواقين الصادق، ياسر، د. اسامة حملوا جميعا بالباصات ومشيا علي الاقدام ، الي منزل المدير ، و نائباه، و بقية مساكن الجامعة. و قاعة افريقيا للمؤتمرات، و قاعة النجاشي. و لاحقا مكاتب الادارة قاعة البروف محجوب و ملحقاتها في عدة رحلات ذهابا و ايابا، و انضم اليه ياسر والصادق ، و د. اسامة ميرغني لاحقا واخرين. اما الاولاد فظلوا في مواقعهم؛ رغم ان داخليات النيجر، دان فاديو، والمهدي في مرمي النيران، و الاقرب الي موقع انطلاق النيران، اما الداخليات الشرقية فكانت الافضل.
بلغتني زوجتي ام محمد باطلاق الرصاص في اتجاه الجامعة. فقمت كالمجنون ولبست علي عجل و خرجت مسرعا نحو الشارع. وبالفعل لم احمل اي “فلس” فقررت الجري نحو الجامعة. فلحق بي ابني المهندسين محمد سائقا و ابوبكر مرافقا. وكان كلامهما الاول: ابوي انت جنيت ؟ مالك الحاصل شنو؟ لم ارد عليه، كنت اردد، حسبنا ونعم الوكيل، اللهم بطلاب الجامعة
قطعنا بصعوبة بالغة المسافة بين شارع “ الهوي” والجامعة، لان الرصاص تطلق بغزارة .وقفت العربة البوكس(56) في البوابة الشمالية للجامعة.
قال محمد يرجع للبيت وانا اوافقك. اندفعت نحو الجامعة و اشرت لهما بالمغادرة. و لكني وجدت أبني ابوبكر يرافقني ، و بقي ببنطلونه و قميصه ل(8) ايام بدون غيار، او عودة الي المنزل، فعلمت انهما قوي ساعدهما حفظهما الله.
وجدت الدكتور مرتضي والجامعة مشغولين، فانضممت اليهم.
و جدت الاخ الدكتور مرتضي رغم قلة خبرته في مثل هذه الاحداث ، و قلقه الباين ثابتا عكس توقعاتي، ذو عزيمة و اصرار رغم عدم وضوح الرؤية لدينا جميعا.كان يسوق بنفسه خارج الجامعة الي كلية الطب الالسن والعلوم والبترول رغم ان تلك المواقع فيها قوات الدعم السريع، و ذهب بنفسه الي السوق المركزي و شارع عبيد الخت( اوقفوه ولكن سمح له و لنا ، بعد ابراز بطاقة الجامعة)
ادار د. مرتضي ذلك الموقف الحرج والخطر جدا ، بثبات و عزيمة و شعور بالمسؤولية. اتخذ قرارات كثيرة واشرف علي اخلاء الطلاب الذين وفدوا من كل الجامعات السودانية، لان إغلاق تلك الجامعات بصورة غير مرتبة.
فتجمع الطلاب والطالبات من الدول الافريقية والاسوية وغيرهم من امريكا، اليونان، السويد، فرنسا، المانيا وروسيا وغيرهم.
استقبل اعضاء غرفة عمليات الطوارئ بالجامعة تلك الالاف بصدر رحب وبابتسامة في زمن غلا فيها الابتسامة.كان مرتضي انساني الي ابعد الخدود، و عندما ” تململ” بعضنا علي كثرة الوافدين. كان العربات تنقل، و “الركشات “، قال: هذا ظرف انساني لا نستطيع منع اي شخص من دخول الجامعة والحماية.
جاء السفراء والممثلين الدبلوماسين من جمهورية تشاد، تنزانيا، جمهورية جنوب السودان، كينيا، الصومال، اندونيسا، ماليزيا، تايلاند،الكنغو، النيجر، افريقيا الوسطي، ومن دول اخري استقبلهم في مكتبه باريحية بالغة. و كذلك ممثلي المنظمات الدولية و الاقليمية ، و الطلاب وروابطهم و اتحاداتهم وعشرات المكالمات التلفونية و الواتسابات، خاصة طلاب الدول العربية بالجامعة المصريين والسوريين والتونسيين والموريتانيين وغيرهم.كون غرفة طوارئ عمليات من الموجودين بالجامعة وعددهم لا يتجاوز (30) شخص باحسن الحسابات، وكان يعقد الاجتماعات والتشاور مع الجميع. بصورة شورية وديمقراطية
كان يقضي معنا اكثر من (8) ساعات وقوفا لاخلاء الطلاب والطالبات بالباصات. و تخيل انه اشرف و بالتعاون مع غرفة الطوارئ إخلاء اكثر من. ( 13,00) ثلاث عشرة الف طالب و طالبة. وقليل منهم في الانتظار حتي لحظة كتابة هذه السطور.
و تحت اشرافه المباشر تمكنت الجامعة من تقديم الخدمات الاساسية( مياه الشرب، والغسيل، الخدمات الصحية، بعض غذاء، وبقية اشكالات الادارية والعملية لهذا العدد الكبير جدا، مع الاحتفاظ بالنظافة. لقد سخرت الجامعة كل اسطول نقلها للاستجابة لكل طلبات الطلاب والطالبات، و نقلهم من احياء الخرطوم اركويت، الطائف، المنشية، الديم، العمارات، حاج يوسف،. و حتي أمدرمان( اذ سمحت الدعم السريع بمرور عربات الجامعة علي ذلك).
بقي الدكتور مرتضي بالجامعة بضع وثلاثون يوما بدون مغادرتها، فإبنتها
الصغيرة عندما غلبها شغف والده جاءت مع اختها الي الجامعة، تعلقت بها في منظر يدمي العين، تقول: ابوي ليه ما تجينا في البيت، فغلبه ابوه، كما غلبنا جميعا الاجابة. وغادر الي اسرته بعد الحاح شديد منا جميعا، وطلب من الجميع فقط (3-4)ايام. فقال الجميع اسبوعين.
بقي ان أختم بطرفتين:
جاءت كينيتين من الدامر الي الجامعة، وقالت احداهن تخاطبنا باللغة الانجليزية: هل هذا مقر الاتحاد الافريقي في السودان؟
قلنا هذا مقر جامعة افريقيا العالمية. فردت و قالت: طلبت من سائق الركشة ان تاخذني الي مقر السفارة الكينية، فقال السائق؛ هناك مقر واحد معتمد وكل الافارقة نقلتهم هناك، فجاء بنا الي هذا المكان. فقلنا مرحبا بكما في مقر افريقيا.
ثانيا: جاءت طالبتين من جمهورية جنوب السودان، احداهن في كلية التمريض والاخري في الاقتصاد، يطلبن من الجامعة ان تفتح لهن الداخلية لاخذ جوازاتهن وبعض طلباتهن. فسالتها عن موقع سكنها بعد الاحداث فقالت: في منزل الدكتورة اسمها لندا،والله زارتنا و عاملتنا كويس.
فقلت لها: هذا المدير المكلف زوج الدكتورة لندا زين العابدين ، فقالت: بالله تعمل شنو!!! ده قسمتها.
فضحكنا جمعيا.
تظل مواقف الاخ الدكتور مرتضي نائب المدير للشؤون الادارية والمالية رئيس غرفة عمليات الطوارئ ومدير الجامعة المكلف، تضاف الي مواقف من سبقوه من الاداريين بالجامعة ، و لكن تجربتة فريدة لا تتكرر ان شاءالله.
فقد ادار الدكتور مرتضي الاحداث و الموقف والغرفة بامتياز، و نجح في الحفاظ علي الجامعة و ممتلكاتها حتي الان، بتعاون و تنسيق محكم مع اعضاء الغرفة ومع اخرين لا يسع الوقت لذكرهم ولكن مواقفهم محفوظة، نرويها في حينها ان شاءالله.
اخي الدكتور مرتضي انت اسطورة هذه الاحداث، و مواقفك مجهودة.
تاج الدين بشير نيام
باحث في العلاقات الدولية و الامن الانساني
24.05.2023
04.11.1444 Hagraia
ملحوظة:
١- هذا المقال يمثل فقط وجه نظر كاتبه.
٢- المشاركين في الغرفة كثر من بينهم، د. المستر محمد يس د. حاتم واحمد ابراهيم من الاعلام، محمد البشاري ، د.راشد ،البروف حسن مكي الذي يشاركنا طبقه اليومي الجامعي :حسن تيه ، مرجان، اسماعيل باشا، حسين
٥- من السائقين العم سليمان، خليل، طلال، بشير،
٦- ال م. حسام، و حسين من الكهرباء و ٧- جلال و فاروق من الحدادة
٨- تفتيحة، عثمان، من الامتحانات
١٠- و معذرة لمن لم تسعفني ذاكرتي الان