تمر المعادلة السياسية بالسودان في الوقت الراهن بتغيرات عميقة، ربما غير مرئية بصورة جلية، ولكن تحدث تحت سحب دخان الحرب والصراع، يحدث كل ذلك وفي ظل بيئة دولية تتشابك فيها التحولات والاضطرابات.
داخلياً، ورط الجنرالات الثلاثة، ومعهم القائد مالك عقار أنفسهم في شأن إدارة الدولة، ولعب دوراًسياسياً، وهذه حقيقة ماثلة لا يمكن التغطية عليها أبداً، إلا من باب الاستخفاف بعقول الناس، ولكن في ذات الوقت يحاول الجنرالات الابتعاد قدر الإمكان عن الغوص في النشاط السياسي، وتقديم آخرين إلى الواجهة .
ولكن تكمن أخطائهم في سوء الإختيار، لأن العقل العسكري أثناء الحرب يرى بعين التركيز صوب البندقية، ويترك عيناً هامشية لبقية الملفات، إذاً ستمضي خطواتهم إلى الفشل حال استمروا في ترك آذانهم وعقولهم لسماسرة وانتهازيين.
في ذات الوقت نجحت إستراتيجية الجنرالات في إدارة الخدمة العامة، كلفوا تكنوقراط محترفين بالملفات الوزارية بجانب وزراء اتفاق جوبا للسلام.
نجحوا في تمكين خطة عمل جادة وفعالة في ملفات التنمية والخدمات وإدارة إقتصاد الدولة، تحت مسمى “خطة اقتصاد الحرب”، عمل على وضعها والتخطيط لها عضو مجلس السيادة الفريق “إبراهيم جابر”، بمشاركة خبراء.
خارجياً، تتسع، على نحوٍ خطير، هوة الحسابات بين دولة الجنرالات والغرب فيما يخص مستقبل الحرب في السودان، تربط أمريكا بين وقف القتال والوصول إلى وقف لإطلاق النار البدء في تسوية سياسية مع جماعة الحرية والتغيير، بوصفه تعبيراً عن منهج «عقود الإذعان» الذي تتبناه السياسة الغربية تجاه المنطقة.
وفي المقابل، تطور موقف العلاقات مع المحور الشرقي باتجاه الإعلان عن ارتباط دبلوماسي جديد مع إيران (زيارة وزير خارجية السودان لطهران فبراير المنصرم).
في ذات السياق نجح ضابط شاب برتبة وسيطة في إعادة العلاقات مع دولة النيجر، والتي شاهت صورتها كثيراً خلال الحرب، إذ اعتبرها السودانيين مورداً رئيسياً للمرتزقة ممن أشعلوا حريق الخرطوم.
نجحت سفارة السودان في النيجر إلى الدفع بالحكومة الجديدة لتوضيح موقفها علناً مما يحدث في السودان، بل وإتخاذ موقف رسمي يحسم تدفق المرتزقة والمجرمين عبر آليات أمنية وعسكرية داخلية، ونتج عن هذه المجهودات الكبرى التي قامت بها السفارة وقنصليتها في النيجر ، زيارة رسمية لمبعوث الحكومة النيجيرية إلى السودان الأسبوع الماضي، والتقى عدد من المسؤولين الحكوميين، وأبلغ السودان التزام حكومته بإحكام قبضتها على الحدود لمنع تدفق المرتزقة، والمساهمة في استعادة المنهوبات وخاصة السيارات.
كل المعطيات الواقعية تؤكد للجنرالات أن بإمكانهم الوثوق في أجهزة الدولة، وتطويرها للقيام بواجباتها ومهامها بكفاءة عالية، دون الحوجة للإستعانة بسماسرة وتجار مواقف.
الخيار الأفضل للجنرالات حاليا هو الوقوف على مسافة واحدة من جميع الكيانات السياسية، والاستفادة من التأييد الشعبي في حسم معركة الكرامة، وترتيب علاقات السودان الخارجية عبر وزارة الخارجية، وإنجاز مهام ما تبقى من الفترة الانتقالية وصولاً لصناديق الانتخابات.
محبتي واحترامي
https://www.facebook.com/share/p/QRzgoivochscxzwe/?mibextid=Nif5oz