طلعت الطيب من الثورية إلي لتفكير العقلاني ” 1-2″ زين العابدين صالح عبد الرحمن

كتب الدكتور طلعت الطيب على جدارية ” مركز ابحاث الديمقراطية و الدراسات الإستراتيجية” رؤوس موضوعات فلسفية ينشد بها حوارا، يرتقي بالناس من حالة الهتاف و الاصطفاف الذي أفرزته عملية الاستقطاب الحاد الجارية في المجتمع إلي التفكير العقلاني الذي يقدم حلولا منطقية للأزمة السودانية التي وصلت إلي أعلى درجاتها في الحرب. لذلك طالب الناس أن ترجع إلي كانط ” كفلسفة” و إعادة قرأتها.. و معلوم أن كانت هو مؤسس الفلسفة الأخلاقية التي ينتجها العقل. و معلوم أن طلعت الطيب تأسست ثقافته السياسية داخل أروقة الحزب الشيوعي السوداني، و بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي غادر الحزب مع المجموعة التي كونت ” حق” و أيضا تطور الصراع فيها جعلته يغادر الأبنية المحكومة بأسوار الماركسية لكي ينتفح على الفكر الإنساني، و يحاول إعادة قرأته بسبب تطور الأحداث في القضية السودانية و تغلباتها، و الحوار الفكري هو الذي يؤدي إلي أفكار التغيير .
قدم طلعت تسجيلا يشرح فلسفة كانط ثم علق عليها يقول ( قبل كانط كان الاعتقاد حول إمكانية قدرتنا على معرفة العالم هو الاعتقاد الساذج السائد و لكن كانط هو من أوضح بجلاء عكس ذلك و أن ما ندركه من معارف هو نسبي و مشروط بطريقة عمل العقل البشري. و لذلك أصبح العقل البشري هو محور الاهتمام الجديد مثلما صارت الشمس هي مركز دوران الأرض و الكواكب الأخرى) و يقول في شرحه لفلسفة كانط مقارنة برؤى االآخرين ( ملاحظ أن الكثير مما تسوقه الأحزاب الشيوعية خاصة في منطقتنا العربية و الأفريقية في أن مراحل التاريخ الأربعة من ” مشاعي – اقطاعي – رأسمالي – أشتراكي” كمفاهيم ماركسية أصيلة هي في الواقع من بنات أفكار لينين ثم ستالين و لا علاقة لها بماركس على الإطلاق كما هو شائع و الذي كان قد تطرق فقط للمفهوم المادي للتاريخ. مثل ما تفعل المذاهب و الطوائف الإسلامية مثل الأخوان و الوهابية ما هي إلا محاولات لاحتكار التحدث بأسم الإسلام و مصادرة التعددية في المفاهيم الدينية لصالح تفسيراتهم لوحدهم. كذلك يفعل اليسار الشمولي، فالحزب الشيوعي كان قد تبنى النسخة اللينينية من الماركسية بينما هي في الحقيقة تحتوي على نسخ متعددة؛ مثل ماركسية التوسير في الغرب أو مدرسة فرانكفورت ثم الماركسية التحليلية و هذا على سبيل المثال لا الحصر) أن ما قدمه طلعت الطيب مدخل لحوار عقلاني لتيارات الفكر أتخذ من الفلسفة الكانطية قاعدة للإنطلاق.
أن طلعت حاول أن يقدم كانط كداعية للعقل و التجريب و القوانين الأخلاقية.. و معلوم أن كانط تتكيء فلسفته على العقل، و العقل التجريبي الذي يؤسس للمعرفة. و العقل عند كانط هو مصدر الأخلاق التي تعد كقوانين أخلاقية تحكم الواقع. و هي تترجم في أن الحقيقة التي يعتمدها العقل تأتي من التجريب و البحث العلمي و هي كلها نافعة للبشرية من خلال تقديرات العقل. في مسار أخر حاول طلعت أن يجر القاريء إلي الماركسية باعتبارها تلعب دورا الآن في الواقع السياسي السوداني، و يعتقده من خلال فهم خاطيء لا يؤسس على الماركسية كتيار معرفي عام يمكن التعامل مع المصدر و ليس التجارب التي الأخرى التي حاولت أن تكيف فلسفة المصدر وفقا لواقعها لذلك أتخذ الينينية مثالا باعتبار أن الحزب الشيوعي السوداني اتخذها مصدرا.
أن لينين أتخذ الماركسية مصدرا لمسار الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي، و أهم اجتهاداته تتمثل في (الدولة و تصنيفاتها ديكتاتورية البوليتاريا و اشتراكية و الدولة الديمقراطية. و الصراع في كل منهما ” الديمقراطية – الاشتراكية” و الدفاع عن الفلسفة المادية في مواجهة المثاليين.. و تصنيفات المكونات الاجتماعية المختلفة الشعبوية و النزعات اليسارية و غيرها.. ألي جانب نظرية المركزية الديمقراطية و نظرية الثورة و التحالفات التي تخلقها.. امتدادا إلي تطور الراسمالية إلي الامبريالية) أن تعدد رؤى الماركسية جاءت لتعدد البيئات الاجتماعية، و لينين و ستالين كل حاول أن ينهل من المصدر للماركسية و يطوعه بما يتلاءم مع الواقع الذي يريده، و مع ما يخدم مصالح الشخصية؛ مثل ستالين الذي أطاح و إغتال أي رأي مخالف لحكمه. و هناك الفيلسوف الفرنسي الماركسي لويس التوسير الذي كتب كتاب ” إعادة قراءة رأس المال” و هو نقد لكتاب ماركس ” رأس المال” و يفرق فيه بين ماركس الشاب الذي تأثر بمثاية هيجل وكان يدافع عن الأيديولوجية الهيجلية و بين ماركس المفكر الذي قدم علما و ليس فلسفة تتبلور في ” المادية التاريخية” و التوسير الناقد للماركسية أيضا أثرت فيه البيئة التي يعيش فيها و هي المجهودات الفكرية التي قام بها عدد من المفكرين الماركسيين في فرنسا و اسقطت ديكتاتورية البوليتاريا، و تبنت الصراع السياسي عبر صناديق الاقتراع. و مدرسة فرانكفورت هي نفسها تشكل مرحلة نقد للماركسية و التي تسمى مرحلة ” ما بعد الحداثة” و هي اجتهادات حاولت أن تنطلق من مصدر الماركسية و نقدها، هذا النقد لا يبتعد عن البيئة الديمقراطية التي عاش فيها فلاسفة معهد فرانكفورت في المانيا.
أن تطور الفكرة عند الدكتور طلعت؛ أملتها حالة الصراع السياسي في السودان، و التي تطورت إلي أعلى درجاتها الحرب، رغم ذلك أن العقلية عند النخبة السياسية ظلت كما هي، تتعامل مع أحداث الواقع كأن شيئا لم يكن، و يعتقد الدكتور طلعت أن الواقع لكي يتغير لابد من قراءة جديدة لمصادر الفكر الذي يحكم اجتهادات الناس، و يعتقد أن فلسفة كانط يمكن أن تكون أرضية جيد لكي تبعث الناشط في العقل، و لذلك يجب إعادة قرأتها لأنها تعتمد على العقل في تقيم الأشياء، و في نفس الوقت أنها تعتبر العقل مصدرا للعلم من خلال عمليات العلم التجريبي؛ أيضا هو مصدر لتموضع الأخلاق التي تكون في صياغات قانونية. أن طلعت وضع خطوط عامة دون ربطها بواقع السودان، ربما في أطروحاته القادمة يحاول أن يقيم عملية الربط، و هي مسألة في غاية الأهمية.
أن العقل السياسي يعاني حالة من الجمود جعلته لا يستطيع التفكير خارج الصندوق لكي يحدث تطورا في العملية السياسية، ربما يكون ذلك راجعا لطول فترات الحكم الشمولي إلتي أثرت سلبا على القوى السياسية، و على اداء الأحزاب، و أيضا طول فترة النظم الشمولية اوجدت تراكم كبير للثقافة الشمولية حيث اضعفت الثقافة الديمقراطية، و من خلال التجربة و الرصد أن السائد الآن ثقافة شمولية يتعامل بها الكل. نواصل. نسأل الله حسن البصيرة.

مقالات ذات صلة