*العطا و قناة الحديث لمن توجه الرسائل…؟ زين العابدين صالح عبد الرحمن*

يقول الفيلسوف و المفكر الاقتصادي الانجليزي جون استوارت ميل عن الحقيقة و التحدي لها لكي تستمر أهميتها ( إننا إذا أسكتنا صوتا فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، و إن الرأي الخاطيء ربما يحمل في جوانحه بذور الحقيقة الكامنة، و إن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية، إلا إذا دخل واقع التجربة و التمحيص، و إن هذا الرأي ما لم يواجه تحديا من وقت لأخر فإنه سيفقد أهميته و تأثيره)
استمعت للقاء الذي أجرته الأستاذة لينا يعقوب مديرة مكتب قناة “الحديث” في السودان، مع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام و عضو مجلس السيادة بقاعدة وادي سيدنا، و رغم أن الحوار أخذ جوانب شتى تتعلق بالحرب الدائرة في البلاد، و من صياغة الأسئلة و التركيز على جزء من محاورها، يبين أنها تحمل إجابات لأسئلة تتعلق بتعقيد المشكلة السياسية، و الرسائل موجهة إلي جهات خارجية أكثر من أنها موجهة للرأي العام السوداني، مما يؤكد أن الخارج يلعب دورا مهما في هذه الحرب و له أثر مباشر في استمرايتها..
اللقاء تناول العديد من المحاور لكنه ركز على أربع منها.. الأول عن الإسلاميين و دورهم في الحرب، و هل دخولهم الحرب من خلال الاستنفار بهدف أن يكون لهم دورا سياسيا في المستقبل ؟ الثاني لاستنفار الشعبي و ما هو الهدف منه؟ و كيفية السيطرة عليه من قبل الجيش؟ و هل يمكن أن يؤدي إلي حرب أهلية في المستقبل؟.. و الثالث هو فكرة بناء علاقات إستراتيجية للسودان مع الدول الكبر؟ و أثر ذلك على مستقبل السودان؟.. و الرابع تصور الحكم و تشكيل حكومة انتقالية.. هل ترجى عملية تشكيل الحكومة إلي ما بعد الحرب أم أنها سوف تشكل الآن و تستمر كفترة انتقالية؟ هي بالفعل أسئلة مهمة و تبعث رسائل للذين يبحثون عن الإجابة عليها…
أن الحوار كان مرتبا جيدا، و أسئلته موضوعة بعناية، و الانتقال من محور لآخر لا يشكل رهقا للعقل المتابع، لآن المحاورة أعتمدت على مداخل جيدة.. يؤكد المهنية العالية للأستاذ لينا يعقوب في إدارة الحوار، و رغم أن أغلبية الشعب السوداني يتخوفون من سياسة ” قناة الحدث” لأنها تبث من دولة الأمارت، لكن طبيعة الأسئلة نفسها محاولة جريئة من المحاورة لكي تقدم من خلالها إجابات على أسئلة يطرحها المجتمع الدولي، و أيضا دول الإقليم و خاصة الذين يقفون مع الميليشيا و يدعونها… و أي متابع للشأن السوداني منذ سقوط الإنقاذ في 11 إبريل 2019م، يجد هناك قوى سياسية بنت خطابها السياسي على تخويف دول المحيط و الإقليم من الإسلاميين الذين يشكلون لهم تحديا سياسيا، و أصبح الخطاب يعتمد على المنهج التبريري بهدف أن القوى السياسية التي سيطرت على الساحة السياسية في الفترة ما قبل الحرب لا تريد أن تتحمل الأخطاء و الفشل، و لابد من إيجاد شماعات تعلق عليها أخطائها، و ظل خطاب التبرير مستمرا حتى أندلعت الحرب…
أن الأستاذة لينا أختارت أسئلتها بعناية، أيضا أختارت اليوم الذي تجري فيه المقابلة بعناية، قبل أن يبدأ مؤتمر ” تقدم” التأسيسي بساعات في أديس أبابا، و هؤلاء هم المصدر الذي يحاول تخويف المجتمع الدولي و دول الإقليم من نتائج الحرب المستقبلية، و خاصة من الإسلاميين و المقاومة الشعبية.. رغم أن الولايات المتحدة و الدول الأوروبية أقتنعت و تأكدت مع من يقف الشعب السوداني، لذلك قللت من الاجتماعات و النصائح التي كانت تقدمها إلي بعض الأحزاب السودانية التي فضلت أن تعمل من خارج السودان…
أن اللقاء كان إيجابيا و أسئلة متوقعة في ظل المتغييرات التي بدأت تحدث في قناعات الخارج، و عكس ما يعتقد بعض الناس بأن قناة ” الحدث ” تريد أن تحرج قيادة الجيش، بل هي فرصة أن ترسل فيها قيادة الجيش الرسائل التي تعتقد أنها مهمة، و أيضا توضح فيها رؤيتها على بعض المخاوف غير المبررة.. و البعض يريد من خطاب الترهيب و التخويف من الإسلاميين و المقاومة الشعبية الضغط على قيادة الجيش أن تقبل التفاوض و الجلوس مع الميليشيا، أي الوصول إلي “تسوية سياسية” اعتقادا منهم أن التسوية سوف ترجعهم مرة أخرى لفترة ما قبل الحرب، أو ترجعهم مرة أخرى لتسوية مع الجيش.. لكن حديث الفريق أول ياسر العطا كان واضحا، بأن القيادة الآن تعكف على تعديل في الوثيقة الدستورية بهدف تشكيل مجلس السيادة و اختيار رئيس للوزراء مستقبل توكل إليه مهمة أختيار مجلس الوزراء.. أن تكون الحكومة من التكنوقراط.. و يكون الباب بالفعل قد تم إغلاقه في وجه الراغبين في السلطة، و يصبح التفكير السياسي لصناعة الدستور و الانتخابات العامة. و المجتمع الدولي لأن يرفض فكرة الانتخابات العامة و أن يرجع القرار للشعب…
أن اللقاء كان مفيدا جدا، و استطاع الفريق أول ياسر العطا أن يقدم إجابات وافية. و هي لها جانب أخر؛ سوف تشغل الناس أكثر من الذي يجري الآن في أديس أبابا، باعتبار أن ما طرحه ياسر العطا يشكل أجندة جديدة خاصة تعديل الوثيقة، و أختيار رئيس الوزراء المستقل، و هي موضوعات مثيرة للحوار، القضية الأخرى؛ بدل الانتظار لمعرفة نتائج المؤتمر التأسيسي لتحالف ” تقدم” تصبح تقدم هي التي تفكر في الذي طرحه العطا، باعتبار أنه يشكل تشويشا على عقل الخصم، و تجعله يتعامل بردة الفعل، و ليس طرح موضوعات تشغل عقل الأخرين. لذلك جاء اللقاء مفيدا، و في نفس الوقت يؤكد على مهنية الأستاذة لينا يعقوب.. نسأل الله حسن البصير..

مقالات ذات صلة