*الثنائيات المدمرة* *تعليق على مقال د. التجاني عبد القادر* على عسكوري ١٤ ديسمبر ٢٠٢٣

*الثنائيات المدمرة*
*تعليق على مقال د. التجاني عبد القادر*

على عسكوري
١٤ ديسمبر ٢٠٢٣

إستوقفنى مقال يحمل اسم الدكتور التجانى عبد القادر منشور في الوسائط (بدون تاريخ) بعنوان الثنائيات المدمرة. اثار عندى المقال عدة نقاط اوردها في هذا المقال القصير.

لا يمتد المقال قيمته من د. التجاني بخلفتيه في الحركة الاسلامية ولاحقا كمفكر استطاع بجدارة الخروج من عباءة الايدولوجيا الضيق، بل يمتد قيمته من التحليل الرصين لسبب الصراع المدمر الذى اصاب بلادنا و لايزال.

اتفق مع د. التجانى فيما ذهب اليه من ان جوهر الصراع الذي دمر بلادنا هو صراع بين اليسار العلمانى واليمين الاسلامي. و ليس ما يسمي بصراع المركز والهامش الذى في جوهره تمظهرات لذلك الصراع الايدولوجي وان حاول استحداث شعارات جديدة. فاليسار واليمين بارعين في صك الشعارات التى تخفي ارتباطهم بالحركات المتمردة التى تدور جميعها في فلك واحد منهما رغم حالة الإنكار من الحركات ومن القطبين.

ليس هناك مفر من التذكير بأن اليسار ممثلا في سنامه الحزب الشيوعي واليمين ممثلا في سنامة الجبهة الاسلامية وفدا علينا من مصر. إلا ان الغريب هو اندثار الاثنين او شبه اندثارهم في مصر والعالم العربي بل ربما العالم النامي بكامله واستمرار صراعهم الدامي في السودان الذي مزقوه اربا.

من نافلة القول أن الشيوعية انهارت في مهدها واندثرت في كل بلدان المعسكر الاشتراكي او ما كان يعرف بى (حلف وارسو)، رغم ذلك يبقي الحزب الشيوعي السودانى متمسكا بتصورات اندثرت وتخطتها البشرية الى آفاق ارحب وكأن لينين قد ولد في مقرن النيلين!
مثل ذلك اسلاميو السودان الذين اكفتهم تجربتهم عن كل درس آخر وان الدولة الدينية التى تخيلوها ما هي الا وهم (المحبوب) او تصورات غير قابلة للتطبيق (الافندي)، رغم ذلك يتمسك اسلاميو السودان بما اثبت الواقع فشله وكأن حسن البنا ولد هو الآخر في مقرن النيلين.

في اتون هذا الصراع الممتد الذي قضي على الاخضر واليابس اصبحت بلادنا نفسها على المحك وكادت ان تذهب ريحها، ولا ادري اين سيواصل القطبان معاركهم عندما تنهار الدولة، ام تراهم سيبكون على وطن كان.

يتفق الاثنان على برنامج اقصائي لكل منهما. فالدولة الدينية التى يطرحها الاسلاميون لا مكان فيها للآخر و في احسن الاحوال يكون الآخر تابعا او كما يقول المثل (تمومة جرتق) لإصباغ صفة كاذبة على دولتهم بأنها تتيح للقوى الأخري العمل. هذا فيما يتعلق بالقوى السياسية وتمثيلها، اما سواد المواطنين فلا مكان لهم، ويحرمون من حقوقهم الاساسية في بلدهم، بل هم في وضع اقرب للسخرة لخدمة التنظيم الحاكم. هذا من واقع تجربة الثلاثين عاما التى قضوها في الحكم ولا نود ان نتطرق للانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان والفساد الذى استشري كالنار في الهشيم في سنين حكمهم.

اما اليسار الذي يطرح حاليا (برنامج التغيير الجذري) فهو الآخر يقدم برنامجا اقصائيا لا مكان فيه للآخر. كما انه غير قابل للتطبيق هو الآخر. ولم تخلو ايضا تجربتهم في الحكم بعد انقلاب نميري ١٩٦٩ من انتهاكات واسعة لحقوق الانسان ودماء كثيرة ازهقت وهو تاريخ معروف وإن تقادمت به الايام ودرسته العقود.

الصادم في الامر أن القطبين وهما يطرحان هذين البرنامجين الاقصائيين يتحدثان عن الديمقراطية!
والديمقراطية لها شروط صحة لا تتوفر في البرنامجين. فمن حقائق التاريخ نعلم أنه لا توجد دولة دينية ديمقراطية، وبالمثل لا توجد دولة شيوعية او اشتراكية ديمقراطية. هذه اكاذيب لا تنطلى على الناس وحري بالقطبين الكف عنها خاصة وقد اوصلاها درجة الاستعباط للآخرين والاستخفاف بهم.

يحتاج القطبان لمن يذكرهما بالصراخ في اذنيهما ان الحرب الباردة قد انتهت و رفع (فراش بكائها) منذ عام ١٩٩٠ وانصرف المعزون الى حالهم. كما ان العالم قد تغير تماما، وان اجيال جديدة مسلحة بالوسائط المختلفة قد دخلت الحياة و ان مصادر الاخبار والمعلومات تعددت، وما عادت الدعاية الايدولوجية كافيةلاصباغ شرعية على حكم ديكتاتوري يمينيا كان ام يساريا.

لقد اتاح التاريخ للقطبين أكثر من فرصة ليتحولا للجادة وينتقلا من صراعهما السرمدي الى البحث عن صيغة توفر لها التعايش حتى تستقر البلاد، الا ان المراقب يلاحظ ان الاثنين لا يزالان في تمترسهما وركوب الرأس، وإن استمرا على هذا النحو فاللتاريخ منطقه. والعاقل من اتعظ بغيره خاصة وقد تابع الاثنان (شيل التمساح) في دول عدة!

اعتقد ان هذه الحرب هى فرصتهما الأخيرة للبحث عن طرح جديد ومعالجة مرارات الماضي والحرص على بقاء الوطن فذلك حق الاجيال
القادمة عليهما، وإن فشلا في ذلك ف (تمساح) الامبريالية ساكن تحت الماء يترصدهما الاثنين!
وحل اليوم (ببلاش) افضل من حل غدا بدموع ودماء وأشلاء وضياع وطن..!

مقالات ذات صلة