اليوم يحتفل الجيش بالعام السبعين لإنشائه، ولعل من أزاهير أغنياتنا الوطنية الممجدة لجيشنا أغنية تغنت بها طيبة الذِكر عشة الفلاتية رحمها الله في حفل وداع جنودنا الأشاوس وهم يستعدون للتوجه إلى ليبيا للمشاركة في حرب تحريرها، وكان جنودنا عائدون لتوهم من أرض الحبشة (أريتريا حاليا)، بعد أن خاضوا على ترابها معارك ضارية ضد الغزاة الإيطاليين، واستطاع جيشنا- وفي معيتهم جنود من الجيش الهندي وتحت إمرة الجيش البريطاني- هزيمة الإيطاليين بعد أن توغلوا في عدد من المدن، ودخلت قواتنا مدينة كرن منتصرة في عام 1941م واستعادتها من الجيش الإيطالي، وغنت الراحلة وقالت:
يجو عايدين الفتحو (كرن) باينين يا الله.
يجو عايدين بالمدرّع والمكسيم يا الله.
والمكسيم مدفع شهير في ذلك العهد، يستخدمه الجيش الإنجليزي والإيطالي.
وتوجهت قوات جيشنا من كرن إلى ميناء مصوع، ثم أسمرة واستولوا عليها، وكبدوا الإيطاليين هزيمة ساحقة كتبت عنها الصحف الإيطالية بعد أن قُتِلَ المئات من ضباطهم ومن معهم من المجندين من أهل تلك البلاد، واستمرت المعارك الطاحنة ضد الجيش الإيطالي لأكثر من شهرين. ذكر لي نسيبي العم عمر البدوي رحمه الله وهو جد أبنائي، وقد شارك في تلك المعارك برتبة ضابط صف؛ بأن الجنود (الطليان) كانوا يفرّون أمامهم بمجرد سماعهم بقدوم الفرقه السودانية، قال وكنا نُستقبَل من النساء هناك بالزغاريد والدفوف، وتهتف النساء بلغة التقرنجا (سودان مطا)، ومعناها وصل السودانيون، وقد أكد لي والدي رحمه الله ذلك أيضا حيث كان يعمل في السلاح الطبي وشارك في قتال الإيطاليين ولم يكد يبلغ العشرين من عمره، وتحدثت عشة الفلاتية عن قصص عديدة تحكي عن بسالة جنودنا في أرض الحبشة، وهي التي سافرت إليهم بدعوة من التوجيه المعنوي في معية مطربين سودانيين آخرين، وشملت زياراتهم مدينة أسمرا، وتسنى، وكرن، وعدد من المعسكرات في مناطق أخرى، كان ذلك بهدف تقديم حفلات ترفيهية للجنود السودانيين في عام 1940.
وتحدثت الصحف العالمية عن استيلاء الجنود السودانيون على أسلحة ايطالية حديثة جاءت بها سفينة كبيرة تكفي لتجنيد لواء كامل، استولوا عليها عنوة واقتدارا، واضطر الإيطاليون إلى الاستسلام بعد أن تبينوا تبدد الدعم بالاستيلاء على السفينة التي تحمل الأسلحة والمؤن.
وعادت القوات السودانية إلى ارض الوطن منتصرة ومحملةً بغنائم الحرب من الأسلحة الإيطالية.
وبعد أشهر فقط من عودتهم أتاهم النداء للمشاركة في حرب تحرير ليبيا، وقد حكى لي الوالد رحمه الله الكثير من تفاصيل الحرب في ليبيا، حيث أمضى في مدينة طبرق عاما كاملا.
وفي ليلة السفر من السودان غنت لهم عشة الفلاتية التي تم تقديمها في محطة القطار باسم كروان السودان، وكانت في العشرينات من عمرها، غنت (يجوا عايدين) لأول مرة، وردد معها أهل السودان يودعون جنودهم:
يجو عايدين يجو عايدين
فكري اشتغل،
دمعي انهمر،
الليلة السفر،
ابقي قمره جوه القطر يا الله.
وإن شاء الله سايرين يا الله.
يجو عايدين الفرقة المهندسين يا الله.
للسكة الحديد،
قدمت الحبيب،
الفرقك صعيب،
ماحضرت ليالي العيد يا الله.
يجو عايدين سودانا منصورين يا الله.
يا اخواني ابكي؟
بي عذري اشكي؟
حرقني بعدو والنوم جفى عيني يا الله.
يجو عايدين ضباطنا سالمين وتامين يا الله.
يجو عايدين الفتحو كرن باينين يا الله.
يجو عايدين بالمدرّع والمكسيم يا الله.
يجو عايدين سودانا منصورين يا الله.
وها هو اليوم جيشنا الهمام يعيد الذكريات بعد أن استرد الفشقة الصغرى والكبرى قبل أعوام، وهاهو ومعه الشعب السوداني ومن رفد الجيش به من أبنائه المستنفرين يوشكون على الانتصار بحول الله على الدعم الصريع وداعميه من قحاطة الداخل الخونة البائعين لذممهم وعلوج الخارج الكائدين لهذا الوطن، وهاهي الفاشر يتم تطهيرها من الدنس، ومافتئ الجيش يتحمل رهق الزود عن الأرض والعرض ويقدم الشهداء بعزيمة وايمان.
إنه جيش السودان يا أحباب، إنه درعنا الحامي بعد الله، في إضعاف هذا الجيش ضياع لوطننا، دعك من تفكيك ينادي به الطفابيع من أمثال ياسر عرمان الشيوعي الموتور على الهزيمة في احراش الجنوب، وأمثال الآبق المدعو خالد سلك، وأمثال المدعو جعفر سفارات الذي لايميز بين كوع الوطنية وبوع القيم، يتحججون بخطل يرونه في عقيدة الجيش القتالية!
ولبيان جهالة وافتئات هؤلاء، هذا هو قسم الجندي السوداني الذي بنيت عليه عقيدة الجيش السوداني القتالية:
(اقسم بالله العظيم ان انذر حياتي لله والوطن وخدمة الشعب في صدق وامانة وأن اكرس وقتي وطاقتي طوال مدة خدمتي لتنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقي بموجب الدستور وقانون القوات المسلحة او اي قانون اخر أو أي لوائح سارية المفعول وأن أنفذ أي أمر مشروع يصدر إلى من ضابطي الأعلى برا وبحرا أو جوا وأن أبذل قصارى جهدى لتنفيذه حتى لو أدى ذلك للتضحية بحياتي).
ولكي تتسنى لنا المقارنة مع قسم آخر؛ هذا قسم الجندي المصري (كمثال):
(أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن أكون جندياً وفياً لجمهورية مصر العربية، محافظاً على أمنها وسلامتها، حامياً ومدافعاً عنها فى البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعاً للأوامر العسكرية، ومحافظاً على سلاحى، لا أتركه قط حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد).
عرضت القسمين على صديق عربي دارس للقانون بعد أن حذفت اسم الدولة باعتبار القسمين للسودان وأرغب في تبين أيهما الأفضل، فأشار لي صديقي بأن القسم الأول أشمل وأكثر احاطة من الناحية القانونية والتنفيذية.
ولم أكتف بذلك، بل وضعت القسمين أمام ناظري وأعدت القراءة، فعلمت يقينا بأن السبب الأساس في رفض ياسر عرمان ومن معه من قيادات قحت هو ابتدار قسم الجندي السوداني بذكر الله!
(أنذر حياتي لله والوطن)
فهل نذر الجندي السوداني نفسه (لله) والوطن جريمة؟!
وهل ذكر لفظ الجلالة يعني أن الجندي السوداني ينذر نفسه للمؤتمر الوطني أو الشعبي أو أنصار السنة المحمدية أو أي واجهة اسلامية أخرى؟!
وهل أصلاً هناك سوداني لايؤمن بالله؛ مسلما كان (وهم الغالبية التي تفوق ال97% من السكان) أو من ال3% الباقية، مسيحيا كان أو حتى وثني؟!
بالطبع فإن ياسر عرمان ويساريو الهوى والذهنية من طفابيع قحت يرفضون جعل (دينهم) الاسلام مصدرا للتشريع، إن كان في الوثيقة التي أسموها الدستورية أو الاتفاق الاطاري، ولعل ذلك سبب حسبانهم أن ذكر لفظ الجلالة ل(علة) في صياغة القسم!.
بالله عليكم لماذا (يكره) هؤلاء اسم الله لهذه الدرجة؟!
حتى البسملة رفضوها في ابتدار اتفاقهم الاطاري، ثم انبرى متحدثهم -بجهالة- في الفضائيات ليقول بأن مشركو قريش رفضوها وقبل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبه وقايس نفسه وقومه -من قحت- بمشركي مكة؛ وكان عليه أن يعلم بأن الله قد شهد لمن شبه نفسه ورفاقه بهم من كفار قريش أنهم كانوا يؤمنون بالله:
قال الله تعالى عنهم:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} العنكبوت 61.
فلماذا يرفض هو وزمرته ذكر الله في قسم الجندية؟!
إن من حق أيما جندي سوداني مسلم كان او غير مسلم -طالما يؤمن بوجود الله- أن يسبق نذر نفسه للوطن لله، وله أن يرهن نيته هذه للإله الذي يؤمن إن كان مسلما أو مسيحيا أو حتى كجوريا، ومعلوم أن المسلم يؤسس حراكه الحياتي على النية، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
أحرى بالجندي المسلم طالما كان المسلمين غالب سكان هذا السودان أن ينال الشهادة في سبيل الله قارنا نذر نفسه لأجل هذا الوطن بنية قاصدة لله، فلماذا تسعى قحت/تقدم أن تحرمه عن ذلك وهو يقدم نفسه دفاعا عنا وفداء للوطن ومافيه؟!
التحية لكم ياصناديد جيش السودان في عيدكم السبعين،
وتجوا عايدين وسالمين وتامين يا الله.
يجو عايدين الفتحو (كرن) باينين يا الله.
adilassoom@gmail.com