أثار الاستاذ عادل الباز في مقاله بعنوان حوار مع مبارك الفاضل عددا من القضايا في مواجهة بيان حزب الامة بقيادة السيد مبارك المهدي الداعي للذهاب إلى مفاوضات جنيف والتوافق لتنفيذ اتفاق جدة،، و تمحور معظم انتقاداته لموقف الحزب في “تآمر امريكا و وقوفها وراء مليشيا الدعم السريع وصمتها عن الانتهاكات المرتكبة من المليشيا، وبالتالي هي غير موثوق فيها وغير مؤهلة لتحقيق سلام في السودان”، اما المحور الثاني كان عن “دور الحركات المسلحة في القتال والسلام والدور الامارتي في الحرب”.
كيف حدث التدخل الدولي والإقليمي السافر في السودان ؟
من المعروف أن العلاقات بين الدول ليست كعلاقات الجمعيات الخيرية، فهي تقوم علي تحقيق المصالح ، فمتي ما تحققت كان الإتفاق ومتي ما اختلفت كان الاختلاف، وتستخدم في سبيل الضغط لتحقيق المصالح والأهداف أدوات كثيرة جداً منها إستغلال نقاط الضعف عند الطرف الاخر و حالة الجبهة الداخلية في حال كان بها خلل، وهذا ماحدث في السودان، فالدعم السريع بعد سقوط الإنقاذ استطاع ان يلعب دور أساسي رغم ماضيه في الإبادات الجماعية والتهجير القسري وكل فظائعه وجرائمه في دارفور، من خلال تدخل مجموعة الرباعية والثلاثية التي عمدت لتقوية وتمتين تحالف البرهان – حميدتي فقد عملا سوياً في السابق و لمدة 13 عاما في دارفور أدت تلك الفترة لخلق صداقة بينهما جعلت الفريق البرهان يتمسك بحميدتي نائباً له، لانه يريد قوة يرجح بها وضعه داخل الجيش، علي غرار ما فعله سلفه عمر البشير وأطلق عليه “حميدتي حمايتي”، لقد اختار الفريق البرهان طوعاً وبكامل إرادته العمل مع المجموعة الرباعية وإختار التحالف مع الحرية والتغير وإختار صيغة الشراكة العسكرية المدنية في الحكم، وهي بدعه جديدة لم يعهدها الجيش في الفترات الانتقالية، هذا الخط الذي ذهب فيه الفريق البرهان هو عين ما أرادته قوى الرباعية ” أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات ومن بعدها الامم المتحدة ممثلة في فولكر ومعه الاتحاد الافريقي والإيقاد في الثلاثية ثم ذهب البرهان مع مجموعة الرباعية والآلية الثلاثية في مشروع الإتفاق الإطاري وهو الذي حدد بالاتفاق مع قوي الحرية والتغيير القوى السياسية التي تكون ضمن الاتفاق وهو الذي عزل القوى التي تم عزلها بشهادة اللجنة الثلاثية في خطابها لحزبنا عندما قرر إختبار الموقف وطالب بالانضمام للاطاري.
لقد إعتبر الفريق البرهان وقتها انه في تحالف مع قوى دولية وإقليمية سوف تدعم وضعه في السلطة بعد ان راضاها بقبول خياراتها من القوى السياسية، ثم جاء الخلاف عندما فشل توقع الفريق البرهان بان هذه القوى الدولية سوف تقف معه في دمج الدعم السريع داخل الجيش وايلولة السيطرة والقيادة لحين الدمج، لم تقف. هذه القوي الدولية معه حينها لانها كانت تريد استخدام الدعم السريع لتطويع الجيش ووجد الفريق البرهان نفسه امام وضع لن يستطيع السير فيه لان الجيش وقيادته لن تقبل بهكذا أمر و سوف تنقلب عليه بكل تأكيد ، لقد زادت مناورات الفريق البرهان السياسية من حدة الخلاف بين الجيش والدعم السريع ووضعت البلاد علي حافة الانزلاق للمواجهة والاحتراب .
ليس لنا ادنى شك ان المجموعة الرباعية وراء الحرب في بلادنا وأنها هي التي شجعت حميدتي للانقلاب بعد أن أصبح له طموحات وتطلعات سلطوية ، ويريد ان يلعب أدوار اقليمية ودولية لذلك اعطته الضوء الأخضر لاستلام السلطة لتنفيذ برنامجها وبوضع قيادة جديدة للجيش تذهب في إمرتهم ثم التخلص منه تدريجياً خصوصا وأن السيطرة عليه سهلة بسبب سجله وتاريخ قواته الموغل في إرتكاب جرائم الحرب منذ حروب دارفور وحتي فض إعتصام القيادة ، هذه طريقة عمل القوى الدولية التي تفتقد لاي وازع اخلاقي واعتمدت في ذلك على نقاط الضعف التي كانت تتمثل في ان الفريق البرهان يعتمد على حميدتي في تثبيت سلطته ولذلك تم استقلال رغبته في التحالف مع المجتمع الدولي والاقليمي للمحافظة على السلطة.
فشلت حركة حميدتي برغم الضوء الأخضر الدولي في استلام السلطة كما وفشلت وفشلت في القضاء على الجيش السوداني فاتجهت لضرب الشعب السوداني واعملت فيه قتلا ونهبا للممتلكات واحدثت إبادات جماعية وتهجيرا قسريا، مما دعي 12مليون سوداني للنزوح واللجوء ، وإزاء فشل الدعم السريع في الاستيلاء علي السلطة وإرتكابه لكل تلك الجرائم، أضطرت القوى الدولية التي لا تثبت على موقف فاشل وتتجاوزه وفقاً لحسابات الربح والخسارة لتقديم مبادرة جدة التي اساسها حماية المواطنين وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لم تواكب قيادة الجيش التحول الذي حدث لهذه القوى الدولية نتيجة لانتهاكات المليشيا وفظائعها المروعة ونتيجة لضغط الرأي العام الدولي رغم لقاءات المنامة ومسقط ، واستثمار ذلك الموقف الجديد لمصلحة الوطن والشعب السوداني ، لانه كان يرى فقط انه يستطيع تحقيق انتصارات عسكرية على الارض ولم يعطي حماية المواطنين واتفاق جدة أولوية ، هذا الاتفاق الذي حقق مكاسب للجيش والشعب ومكاسب الجيش تتمثل في خروج المليشيا من المدن والقرى دون طلقة واحدة ومكاسب الشعب تتمثل في إنهاء الحرب وعودة السلام والطمأنينة و رجوع المواطنين للمنازل ليواصلوا حياتهم العملية والاقتصادية .
*ماهي الأسباب الواهية لرفض جنيف*؟
عندما رفضت قيادة الجيش الذهاب إلى جنيف، اخرج كرت جديد من كروت الفريق البرهان وهو الاعتراف بالحكومة التي جاءت بعد انقلاب 25 اكتوبر وتتكون من منسوبي اتفاق جوبا ووكلاء الوزارات وهي حكومة تصريف أعمال سحب منها الاعتراف الدولي وجمد والاتحاد الافريقي عضويتها، وهذا الواقع ظل الفريق البرهان متعايش معه منذ اكتوبر العام 2021 ورغم ذلك تعاون مع المجموعة الرباعية والثلاثية واتفق معهم على الإطاري ولم يطالب يوماً واحداً بضرورة الاعتراف بالحكومة ولم يطالب برفع تجميد السودان في الاتحاد الافريقي كشرط للتعاون معهم وظل يتعامل مع الاتحاد الافريقي اثناء وجوده في الثلاثية وبعد الحرب، لانه يعتقد أن في ذلك مصلحة في تثبيت سلطته برعاية دولية إقليمية، اما الان فقد إستشعر الفريق البرهان أن هذه الحرب سوف تنتهي وسوف تخلق واقع جديد لذلك بدأ في سباق عملية السلام بمحاولة إستخدام إتفاق جدة لحماية المدنين للمساومة على اعتراف سياسي يسبق عملية السلام وهذا ماقاله بيريلليو عن اجتماع جدة التشاوري الذي بحث فيه وفد ابونمو ضمانات للمستقبل السياسي وليس ضمانات لتنفيذ الاتفاق لان الوفد يريد تأمين المستقبل السياسي للفريق البرهان والحركات قبل السلام وقبل مؤتمر الحوار السوداني السوداني .
الخلاصة يا أستاذنا العزيز عادل الباز ليس هنالك ملائكة في السياسية الدولية هنالك أهداف ومصالح والان القوى الدولية والإقليمية ترى مليشيا الدعم السريع عبء ثقيل عليها لذلك قدمت إتفاق يرفع العبء عنها وعن الشعب الذي لم يستطيع البرهان الدفاع عنه ، كما ولم يرغب في تسليح المستنفرين الذين تدربوا بواسطة القوات المسلحة للدفاع عن أعراضهم وممتلكاتهم و قراهم ومدنهم في مواجهة مليشيات الدعم السريع ، وأعطى أهمية للدفاع عن الجيش ومقراته لانه اساس الدولة وهذا مفهوم لكنه ترك المواطنين مكشوفين امام بطش المليشيا لمدت 16 شهر وهذا يثبت صعوبة الحل العسكري وتكلفته العالية وحتى إذا افترضنا النجاح العسكري في الولايات التي استباحها الدعم السريع فهذا يحتاج إلى سنوات ومن الوارد أن يدخلنا ذلك في سيناريوهات اليمن وليبيا والصومال وسوريا مليشيات وحرب طويلة وغياب الدولة.
هل يستطيع البرهان تكوين حكومة جديدة ؟
يمتلك البرهان نموزج صغير للإدارة في بورسودان لان الخدمة المدنية تشتت واصبح موظفيها نازحين ولاجئين ليس لهم مرتبات ولا توجد مواعين لاستيعابهم و لو وصلوا اليوم الي بورتسودان فوزارة الخارجية مثلا مشتتة ما بين القاهرة وبورتسودان والدواوين المركزية مشتتة بين ولايات مختلفة وبعضها لا يعمل منذ بداية الحرب. وبعضها استعاد عمله جزئيا، نعم إستطاع الفريق البرهان ان يعمل رمزية للسلطة ، ولكن لن تؤهله لعمل حكومة وحتى و إن عينها لن تكسب اي اعتراف لا سودانياً ولا دولياً إلا عبر مؤتمر الحوار السوداني السوداني
هنالك حقائق لايمكن تجاوزها بعد هذه الحرب ليس هنالك حل عسكري ويجب الذهاب إلى تنفيذ جدة، وان مليشيا الدعم السريع فقد ثقة المجتمع الدولي والسوداني ساءت سمعتها واصبحت عصابات ارهابية وليس لها مستقبل سياسي وهذا ما قاله بصورة واضحة المبعوث الأمريكي والتفاوض معها متعلق بحماية المدنين وخروجها من الأعيان المدنية ومستقبلها العسكري باعتبارها كانت رافد من روافد الجيش، وكيف يتم إعادة المتمردين إلى ساحة الجيس ودمجهم أو تسريحهم؟ هذا سقف مليشيا الدعم السريع من المجموعة الدولية والاقليمية.
نواصل غدا عن تحالف البرهان مع الحركات بديلاً لحميدتي في مشروع السلطة والدور الإماراتي في الحرب.