*وداعاً محمد المكي إبراهيم … عمر الدقير ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤*

برحيلك “ينفصلُ الجمرُ عن صندلِ الشعر”، وأنت كنت رونق الشعر، تعتمر تاج مملكته وتصوغ المعاني مشرقات: نشيداً للحبِّ والسلام وصوتاً للحرية في مناخات الاستبداد، وتبشيراً “بالقيم الجديدة وصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة”.

وها أنت الآن – بعد الرضا بالمشيئة الإلهية – يفتقدك الوطن المحروق بنار الحرب ويفتقد بلسم كلماتك على جروحه النازفة، يبكيك الشعر الفخيم والقرطاس والقلم، وتخسرك القصائد التي كنت ستكتبها والكلمات التي لم تقلها بعد.

كأنّك كنت ترثي نفسك وتُشْهِر تلويحة الوداع متحسراً على حال الوطن – حين قلتَ على لسان عصفور قلبك في تلك القصيدة المُعَفّرة بـ “غبارات الأيام والحكمة” والمفعمة بالأسى والمرارة والسخرية اللاذعة – وأنت تغادره يأساً من ولاة أمره وقهره قبل أكثر من عشر سنوات:
أنشرُ الآنَ أجنحتي ذاهباً عن بلادي
وأشياءِ قلبي وأبناءِ سِرْبي وقافيتي المُزْهِرة
إنني ذاهبٌ فاهنأوا أيها الظافرون
في الفراغ تجلجلُ حكمتُكم
وتَرُوجُ حوانيتُكم
أنتمو العارفون
أنتمو، ليس غيركمُ، المؤمنون
فانظروا ما فعلتم بنا
وبأنفسكم
والإله الرحيم
إنّ صقراً عجوزاً مليئاً بحكمته
وغباراتِ أيّامِهِ يذهبُ
في نهايات أيّامِهِ يتغربُ
عن حبه الأبدي
ويخرجُ من غابةِ الطلحِ
حيث تنوحُ القماري
ومن رَبْعِ عزة
حيث السعادةُ أغمقُ لوناً
وأجملْ

لكن مهلاً .. مثلك لا يرتحل وإنْ غيّبه الموت، لأن من يَصْدُق مع ذاته وينتمي إلى ضمير شعبه يفيض عن مساحة قبره ويزداد حضوراً كلما أوغل في الغياب .. سيبقى صوتك “يعطي لهذا الشعبِ معنى أن يعيشَ وينتصرْ”، ويُبَشِّرُ بدربٍ جديد بعد انتهت الدروب القديمة إلى مفازة القفر والدم، ويؤكد أن فجراً قادماً سيقشع الظلام، ويدعو لطرد اليأس والمرابطة على ضفاف الحلم واستدعاء لحظة الشروق لمعانقة البلاد التي تتراءى لأهلها في المنام، أو كما قلت:
“نبهيني إذا نهضَ الزهرُ بين الخنادقِْ
والعشبُ قامْ
وإذا عادَ سِرْبُ القطا واليمامْ
نبهيني إذا أزهرَ السّيسبانْ
وإذا ظَلّلَ الغيمُ سهب البطانة
وألقى قذيفته السندسية في كردفانْ”

نسأل الله أن يكرمك بالسعادة الأبديّة، وأن يحشرك مع صاحب مدينة الهدى والنور – عليه الصلاة والسلام – الذي ناجيتَهُ حافيَ الرأس والقدمين:
“من شُحِّ النفوسِ ودائها المودي
لنا بجمالِكَ استعصامْ
مدينتُكَ الحقيقةُ والسلامْ
على السجوفِ حمامة
وعلى الربى عصفورْ
مدينتُك الحديقةُ يا رسول الله
أقربُ الدنيا إلى بابِ السماءٍ
وسقفِها المعمورْ”

وأن يُحْسِن عزاء أسرتك وعموم شعبك الذي تكاثرت عليه الأحزان وأثخنته الجراح.

مقالات ذات صلة