اللهم ارحم فقيد الأدب والثقافة والفن أستاذ الجيل الدبلوماسي الشاعر محمد المكي إبراهيم…..
هناك طائفة من الشعراء مدحوا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا من أهل المديح ولا المديح من (كارهم.).. وليسوا ممن عرف به ؛ منهم :
نزار قباني..عايض القرني..احمد التويجري.. ناصر الزهراني.. غازي القصيبي..سيد أحمد الحردلو..محمد عبدالحي.. الفيتوري..مصطفى سند..عمران العاقب..سيف الدين الدسوقي.. محمد المهدي المجذوب..خليل فرح..صالح عبدالسيد..سيد عبدالعزيز ..الشريف حسين الهندي..وووووو
نعم كل هؤلاء مدحوا الحبيب وأحتفظ بنصوصهم حذر الإطالة ..وفيهم السلفي والشيوعي وشاعر الغزل وشاعر الغناء والسياسي والمعتدل ومن لا ينتسب إلى أولئك ولا إلى هؤلاء. ولاغرو فقد مدحه ، صلى الله عليه وسلم ، المشركون واليهود والنصارى…
كان الشيخ الجليل ابوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري من اعلام النجديين علما وفقها وأدبا وخلقا…فذكر الطيب صالح ان الشيخ كان يميل إلى (فيروز ) المغنية وإن لم يصرح بذلك ..ولكنه يلوم الفَلَّاحَة (ام كلثوم) التي ملأت الدنيا وشغلت الناس والتي عشق صوتها منذ صباه وقال إنه مع ذلك يشفق عليها من هول المٱب…لأنها لو بذلت ما بذلت في شيء أرجى لها عند الله لكان خيرا لها..في كلام طويييل…فرد عليه الطيب الإنسان المؤمن المتفائل طبعا وسليقة في (المختارات) :
“الله أعلم…إنما أتخيل كم نكون فقراء ، لولا ذلك الصوت العبقري يشدو برائعات شوقي في مدح الرسول الكريم..أما ترى ذلك يشفع لها يا أبا عبد الرحمن ؟؟؟
وكان الطيب الصالح قال في موضع سابق( من مختاراته) يشيد بشوقي وسيره على ٱثار الإمام البوصيري:
” وقد سار في أثره عدد من محبي الرسول صلى الله عليه وسلم..منهم أمير الشعراء (شوقي) الذي لم يعرف شعره جلالا وسموا كما حدث في النبويات..وجاءت أم كلثوم بصوتها العبقري فإذا للكلمات أجنحة…ما أعظم الفن حين تلتئم عناصره في خدمة مثل هذه الاعتاب.”!!!
يالطيف يا أستاذ الطيب..يالك من محب شفيف وناقد بصير فذ وصيرفي جهبذ.!!!
عقلاء الأمة ونبلاؤها يرون ان الفن إذا خدم أعتاب الجناب فإنه منجاة للفنان أيا كان… لذلك قال شمس الدين النواجي :
وماعلا قدر نظمي في الورى شرفا
إلا لمعنىً إلى علياك ينتسبُ
وكل من راح يدعى بالأديب ولم
يفز بمدحك يوما ماله أدبُ
و لذلك لام الإمام النبهاني كبار الشعراء من أمثال أبي تمام والبحتري و أبي الطيب في خلوُِ دواوينهم من مدح الرسول صلى الله عليه وسلم..وعزا ذلك إلى أن المديح توفيق وقُربة إلى الله ، حُرِمَتهُ هذه الطائفة وأمثالها….فتأملوا ..!!!!
وقد مدح جناب الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة من شعراء السودان والبلاد العربية الأخرى لم يكن المديح من شانهم ، كما قدمت ، ولا كان متوقعا من أمثالهم… منهم نزار قباني في الميمية اليتيمة وفيها نظر :
عز الورود وطال فيك أُوامُ
وسهرت وحدي والأنام نيام
وفيها يقر ويعترف :
ورد الجميع ومن سناك تزودوا
وطردت عن نبع السنا وأقاموا
أدنو فأذكر ما جنيت فأنثني
خجلا تضيق بحملي الأقدام
أمن الحضيض أريد لمساً للذُّرَى
جل المقام فلا يطال مقام
………………………….
حتى وقفت أمام قبرك باكيا
فتدفق الإحساس والإلهام
هذا نزار الشاعر الذي ملأ الدنيا ضجيجا وغثاء…وفنّاً… يؤمل في الجاه العميم …افتراه يضيق به ؟؟؟
هذا ، وقد رجع جماعة بعد الضلال إلى نبع النور الصافي يغترفون منه …ومنهم شعراء قد يصنفون في قادة اليسار…منهم الدكتور محمد عبد الحي في (إشارة محمدية )
ومنهم شاعر (ملعون ابوكِ بلد) الراحل المقيم السفير سيد أحمد الحاردلو الذي يقول :
نأتيك كي نرتاح في مقامك النبيل
نأتيك هل تقبلنا في ظلك الظليل
ياسيدي وسندي وحبي الجميل
هأنذا أطرق بابك المفتوح للجميع
هانذا أجيء خاشعا وجسدي وجيع
فأغثني يا ملاذ الحائرين ياشفيع
فأنني ليس لديَّ غير سيد الجميع
ومنهم الراحل المقيم فقيد الأمة والوطن والأدب والثقافة الشاعر الفحل الأستاذ محمد المكي ابراهيم الذي استظل بالدوحة المحمدية بعد هجير غربة الروح الطويل يقول في رائعته التي ترنم بها فنان السودان وأفريقيا الأستاذ
محمد عثمان وردي :
مدينتك الهدى و النور
مدينتك القباب
ودمعة التقوى و وجه النور
و تسبيح الملائك في ذؤابات النخيل
و على الحصى المنثور
مدينتك الحقيقة و السلام
على السجوف حمامة
وعلى الربى عصفور
مدينتك الحديقة
يا رسول الله
هنالك للهواء أريجه النبوي
موصولاً بأنفاس السماء
و كأسها الكافور
هنالك للثرى طيب
بدمع العاشقين
و لؤلؤ منثور
هنالك للضحى حَجْلٌ
بأسوار البقيع
و خفة وحبور
هنالك للصلاة رياضها الفيحاء
و القرآن فجرياً
تضج به لُهىً وصدور
بساعات الإجابة تحفل الدنيا
و أنهار الدعاء تمور
سلام الله يا أنحاء يثرب
يا قصيدة حبنا العصماء
سلام الله يا أبوابها
و بيوتها و نخيلها اللفّاء
سلام يا مآذنها
و فوج حمامها البكّاء
و يا جبل الشهادة و البقيع سلام
على أثل الحجاز و ضالها
و على خزاماها
تهب قصيدة الصحراء
إلى تلك البساتين
المعرجة الجداول
والقباب الخضر
من الزمن الكئيب وناسه لذنا بنورك
ومن شح النفوس ودائها المودي
لنا بجمالك استعصام
مدينتك الهدى والنور
وتسبيح الملائك في ذؤابات النخيل
وفي الحصى المنثور
مدينتك الحقيقة والسلام
على السجوف حمامة
وعلى الربى عصفور
مدينتك الحديقة أقرب الدنيا
إلى باب السماء وسقفها المعمور
ستسكب على قبر محمد المكي أنهار من مداد وهو أهل ذلك.. سأتركها لأصحابها..ولكني عمدت إلى هذا الجانب الشريف النبيل الذي سيهمله بر الكتاب وفاجرهم..مع أنه أرجى وأنفع له من كل مايكتبون..
مر أعرابي بقوم يضعون جنازة امامهم وهم محتارون فيمن يصلي بهم عليها ..فسألوه أن يصلي بهم وهو أجهل منهم بصلاة الجنازة.. فأناخ بعيره ورمى سوطه وكبر ومكث قليلا وسلم ثم انصرف…فرأى أحد أهل البلدة الرجل المتوفى في منامه وهو في نعيم مقيم…فركضوا يوما كاملا حتى أدركوا الأعرابي وسألوه بالله بم دعوت لميتنا…؟ قال والله انا لا أفقه في صلاة الجنازة شيئا ولكني قلت (بكلامنا) : يا الله ياكريم هذا الرجل ضيفك وعلى الكريم كرامة الضيفان ، فأكرمه…أنا علي الطلاق كان جاني أضبح ليه جملي ده…
افترون صاحب الجاه الحايق للبار والعايق النعمة المسداة والرحمة المهداة يضيق جاهه بهؤلاء وامثالهم….كلا والله!!!
اللهم إن محمد المكي عبدك وضيفك وأنت راحم العباد وأكرم الأكرمين فأكرمه…
إبراهيم القرشي
فجر الاثنين
30/9/2024