*أماني الطويل بين المخابرات و النخب السودانية زين العابدين صالح عبد الرحمن*

تمثل الدكتور أماني الطويل أحد أعمدة الفكر في “مركز الإهرام للدراسات الإستراتيجية” و هي تهتم بالشؤون الأفريقية، و في بداية مشوارها الصحفي أهتمت بالشأن السودان، و زارت السودان عدة مرات، و التقت بالعديد من صناع القرار في الخرطوم، و أيضا بالصحافيين و الإعلاميين، و أيضا زميلتها الدكتورة أسماء الحسيني التي تتبوأ الآ نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، و التقيت بالدكتور أماني في القاهرة عندما كنت مديرا “للمركز السوداني للثقافة و الإعلام” و توطدت العلاقة مع الدكتورة و زوجها محمد شومان، حيث كانت تسكن في مدينة نصر و كان مقر المركز أيضا مدينة نصر. و كم مرة امتدت بيننا الحوارات في منزلها معي أخوة من المركز. و من خلال الدكتورة تعرفت لعدد من أساتذة “مركز الإهرام” و أيضا من خلال الدكتور حيدر إبراهيم الذي أمدني بتلفونات الذين أردت مقابلتهم، الدكتور نبيل عبد الفتاح و الدكتور وحيد عبد المجيد و الدكتورة هالة مصطفى و الدكتور هاني رسلان و الدكتور و الدكتورماهر فرغلي و غيرهم. و أيضا الأستاذ صلاح خليل هو سوداني يعمل باحثا في المركز قد عرفني بعدد من أساتذة الإهرام و قد أجريت العديد من المقابلات الصحفية مع هؤلاء، كل في الشأن الذي يخصه.
في ظل أزمة البلاد السياسية بعد ثورة ديسمبر، أستضفنا الدكتورة أماني الطويل عدة مرات في ندوات عبر خدمة ” zoom” ل”مركز الإيحاث الديمقراطية و الدراسات الإستراتيجية” و أيضا أستمعت لمحاضرات لها في عدة منصات سودانية في أمريكا و السودان و بريطانيا عبر ” Zoom. و كانت دعوتها لمعرفة رأيها في القضايا المطروحة باعتبارها خبيرة في الشأن الأفريقي و من ضمنه السودان، و كانت تقدم رؤيتها دون أي مواربة يختلف يتفق معها الناس. و لكن العديد من النخب السوداني تحاول أن توصل لها إنها تمثل الرؤية الرسمية للقاهرة. و كانت تنفي أنها تمثل أي رؤية غير رؤية أماني الطويل، و كان البعض أيضا يلمح بإنها تمثل رؤية المخابرات المصرية، و كانت تتلقى الإتهامات دون أن يحرك فيها شعرة، باعتبار أن الذين يقولون ذلك نتيجة لقصر النظر عندهم، فهي باحثة في مركز الإهرام و بالتالي قرأتها لمجريات الأحداث مبنية على المعلومات التي تملكها، و التي توصلها لهذه النتائج.
قبل يومين: تناقلت الوسائط الإعلامية و أيضا قروبات المثقفين و النخب السودانية تغريدة للدكتورة أماني، و أيضا جاءت منقولة على جريدة ” التيار” تقول فيها ( ليس أمامك سيادة الفريق إلا أن تنخرط في مبادرة “تقدم” أن تخسر جزئيا خير من أن تخسر كليا. الرهان على الجبهة القومية الإسلامية ” أخوان السودان” قد خسر على الأرض. أساليب الاستنفار لن تحدث فرقا في الموازين العسكرية و سوف تتحمل وحدك المسئولية الأخلاقية و السياسية بمفردات عن حرب أهلية واسعة في السودان) أنني أختلف مع رؤية الدكتورة جملة و تفصيلا، و أختلف مع قرأتها لواقع الأحداث الجارية في السودان. لكن اعتقد الخلاف في رؤيتها مبني أيضا على الوقائع التي استندت عليها الدكتورة، و أن دعوة الاستنفار ليست دعوة إخوانية بل هي دعوة شعبية عندما عجز الجيش حماية القرى و المواطنين في العديد من مناطقهم، و الإستنفار حماية المواطن لنفسه و إسرته و ممتلكاته، و هي ليست دعوة قائمة على وجهة نظر سياسية تريد أن تنجز بها مهام تؤثر على أي قطاع جماهيري إثني أو قبلي، و هذا يعود لآن الميليشيا نفسها لا تملك أي سلطة على قواتها المنتشرة في الأحياء من أجل السرقة و النهب. و كنت أنا قد التقيت بالدكتورة أماني في القاهرة بعد اندلاع الحرب، و تحاورنا في العدد من القضايا، نختلف في البعض و نتفق في الأخر. و رغم الإختلاف لم أتهم الدكتورة أن رؤيتها تمثل رؤية المخابرات المصرية، بل هي نتائج أفتراضات وصلت إليها للمعلومات التي تملكها. و معرفتي للدكتورة أماني الطويل أكثر من ثلاث عقود أعرف كيف تفكر. قد أحزنني كثيرا أن تنتقل تغريدتها عبر قروبات النخب و المثقفين، و البعض منهم يكتب هذا رأي المخابرات المصرية، بدلا أن يجعله الشخص خلاف في الرؤى معها و يحاول أن يفنده، يسرع بالاتهام حتى لا يكلف نفسه الاجتهاد بالرأي.
أن رواسب الثقافة السودانية، و مخلفات الأحزاب الأيديولوجية في صراعها مع بعضها البعض خلفت “ثقافة الإتهام” هذا “غواصة هذا مخبر هذا كوز هذا شيوعي” هذه مخلفات الهدف منها قتل الشخصية و منع أي رأي معارض، و للأسف أن العامة و حتى بعض الأجيال الجديدة تسلحوا بهذه الثقافة المعيبة، و التي تبين ضعف القدرات المعرفية و الثقافية. ربما يكون وجود ملف السودان في القاهرة تحت يد المخابرات و ليس وزارة الخارجية المصرية سببا في توجيه التهم للنخب المصرية أن رأيهم هو رأى المخابرات. و هذا الإتهام هو الذي جعل الإنقاذ في فترة تصادر العديد من المؤسسات المصرية في الخرطوم، باعتبارها أدوات استخبارية في تسعينيات القرن الماضي، عندما صادرت جامعة القاهرة فرع الخرطوم و المركز التجاري المصري و نادي ناصر و الري المصري و غيرها، في الحرب التي اشتعلت بين جهازي المخابرات. و السؤال هل إدارة المخابرات المصرية تقبل الانتقاد في السياسة المصرية حول ملف السودان الذي تمسك به المخابرات؟ هي تقبل النقد في ذلك من خلال تجربة كانت قد حدثت. في منتصف تسعينيات القرن الماضي أقامت مجموعة وادي النيل ندوة في ” Novotel Hotel ” بالقرب من مطار القاهرة فتح النقاش الدكتور حيدر إبراهيم الذي قال أن وجود ملف السودان في المخابرات لن يسمح بتقدم العلاقة السودانية المصرية، باعتبار أن المعلومات التي تتحصل عليها المخابرات تحتاج لفرز كبير لأنها تأخذها من العامة و الخاصة و هي غير موثوقة. و قد تحاور الحضورة بكل صراحة.. دون أن تسأل المخابرات أي شخص من الذين كانوا قد تداخلوا في هذا النقاش.
أن مشكلة المثقفين و النخب السودانية إذا كانت مع الدكتورة أماني الطويل أو غيرها، عندما تكون الرؤية مختلفة مع رؤية القارئ لا يكلف نفسه بالاجتهاد، و الرد عليها لكي يبين إنها رؤية خاطئة، بل يذهب الشخص مباشرة للإتهام أو تنميط الشخص وسيلة العاجز كوز شيوعي غواصة و غيرها. و الغريب أن مقولة الدكتور أماني ليس لها رجلين تقف عليها هي تحذير فقط و دعوة للمساومة و الرجوع مرة أخرى ” للوثيقة الدستورية” هي رؤية تريد إعادة الإتفاق الإطاري. كما أن عملية أن تحمل الجماهير السلاح لكي تدافع عن عرضها و مالها و ممتلكاتها تخلق هلع عند المثقفين المصريين بسبب الإغتيالات التي كانت تمارسها المجموعات الإسلامية المتطرفة ضد حملة الرأيفي مرحلة تاريخية. نسأل الله حسن البصيرة.

مقالات ذات صلة