في السودان العنصرية ليست مجرد مرض إجتماعي بل وباء عضال إخترق عروق هذا الوطن فأصبحت جزءاً من دمه :هي سم قاتل لاتميز بين عرق أولا لون ولا شكل هذه العنصرية لم تكن أيضا مجرد ظاهرة عابرة أو جريمة فردية ،بل أصبحت سياسة راسخة ،وعقيدة متجذرة في مفاصل المجتمع السوداني ،أنها نار تحرق الجميع ولاأسباب ربما تكون غير موضوعية ،لون البشرة ،أوشكل الوجه ،او اللغة ،أو مجرد الأنتماء الجغرافي لأقليم او لمنطقة ،العنصرية في السودان خنجر مغروز في قلب الأمة وصرخة المعذبين في أصقاع هذه الأرض ،في أي مجتمع ،وهي من نار الفتنة الي جمر الكراهية والتمزق الأجتماعي ،العنصرية ليست مجرد هاجس إجتماعي يمكن تجاوزه ،بل هي معركة يومية تشتغل في عقولنا وقلوبنا وتتفجر منها كل أشكال التفرقة والتعصب العرقي ، لم تعد مصطلح يستخدم لأنتقاد التمييز في أوقات معينة ،أصبحت سرطاناً مستشرياً في جسد البلد ،مزقت أواصر الوحدة الوطنية وتقسمت الشعب الي قطع متناثرة ،و الأعمق هي تلك اللحظة التي يعاني المواطن السوداني من العنصرية داخل وطنه ،فلا ينجو منها حتي في أبسط مقومات حياته الشخصية ،بما في ذلك الزواج الذي بات تحت تهديد جدران العنصرية التي نضع مسافات وهمية بين البشر بناء علي اللون أو الشكل أو اللغة ،نغوص في أعماقها وتأثيراتها المدمرة علي الأقاليم وخاصة دارفور التي طالما كانت ولا تزال في بؤرة المعاناة العنصرية ونستعرض تلك الأحداث الأخيرة التي فتحت جروحاً جديدة من هذا الصراع العنصري الذي لن ينتهي إلا إذا إستفاق الوطن علي حقيقة مره گانفصال الجنوب،هي التهديد الأكبر لوحدتنا ،لن أتحدث هنا عن العنصرية بشكلها التقليدي أو الدارج ،بل سأكشف عن أبعادها الأكثر تعقيداً حيث تمتد الي مستويات غير مرئية من الكراهية في السودان ،لاتقتصر علي الصراع بين العرب والأفارقة كما يسمونه أو بين الشمال والغرب والعكس الغرب والشرق بل تأخذ أشكالاًمتعددة تشمل تميزاً علي أساس اللون والملامح ، واحياناً حتي الأقليم الذي ينتمي إليه الشخص ،هذه العنصرية تأخد مراتً أشكالاً صريحة في التعاملات اليومية ،وفي الحياة السياسية ،وفي تحديد من سيتحق أن يكون في المقدمة ومن يستحق أن يكون في المؤخرة، في بعض الأحيان تتخذ طابعاً أقل وضوحاً حيث يمكن أن تكون خفيفة في قوالب إجتماعية ثقافية تكمن في جمل ومواقف غير مرئية لكنها مؤذية ،وعندما يقرر الشخص ما الزواج من شريك لاينتمي الي ذات العرق يرفض .
تعتبر دارفور واحدة من أبرز الأقاليم التي تحمل جراحاً عميقة بسبب تلك العنصرية ،وهي ليست مجرد جغرافيا أو تاريخ ،بل هي قصة معاناة لاتنتهي ،طوال العقود عانت كثيراً من تهميش ممنهج علي كل الأصعدة سياسياً ،إجتماعياً واقتصادياً ،العنصرية التي عاني منها أبناء دارفور لاتقتصر فقط علي المعاملة من المركز بل تمتد الي الداخل ،حيث التمييز بين أبناء الأقليم الواحد بسبب الهوية العرقية أو اللون .
أما الطامة الكبري فكانت عنما خرج بعض الناشطين في مواقع التواصل الأجتماعي وبعض الشخصيات الأخري مطالبين حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي والقوات المتمركزة في بعض الولايات الأخري بأن يعودوا الي دارفور متجاهلين تماماً طبيعة الوضع وتعقيداته ،تساؤل لابد ان يطرح هنا هل دارفور دولة مستقلة ؟ هل هي كيان منفصل عن السودان ؟ وهل من المقبول أن نري هذا النوع من الخطاب الأنقسامي في هذا التوقيت العصيب ويتكرر بينما نجد أن شخصيات أخري ليس من بورتسودان مثل الفريق البرهان وغيره لايتعرضون لنفس الأنتقادات ؟ أن السؤال الذي يطرح لماذا لم يسأل أحد منكم رئيس مجلس السيادة البرهان الذي ينحدر من شندي ومطاليته بالعودة الي مسقط رأسه وإدارة شوؤن الدولة منها أو لماذا لا ينظر الي الجنرلات وبعض الوزراء علي أنهم غرباء عن العاصمة أو أقاليم اخري لماذا هذا التمييز الواضح عندما يتعلق الأمر بدارفور ؟ أم أن هؤلاء العنصرية هي التي تحركهم ام ماذا ؟
دارفور هي إقليم سوداني أصيل ،مثلها مثل أي ولاية ،عندما يطالب البعض بعودة حاكمها وقواتها كما أنها. كيان مستقبل ،فأنهم بذلك يعززون من ثقافة الأنفصال العنصري ، ويوسعون الفجوة بين دارفور وبقية السودان مثل هذا الخطاب مهمًا كان مغطي تحت شعارات الحق في الأرض أو الهوية المحلية فهو في النهاية خطاب فتنوي يدمر ماتبقي من الوحدة السودانية ، إذا كان الجميع يتشدقون بخطابات الوحدة الوطنية فمن المفترض أن يعامل أبناء كل الاقاليم بمن فيهم دارفور بنفس الأحترام والمساواة ، وإن المطالبة بعودة مناوي وقواته لاتعكس إلا نوايا عنصرية دفينة تحاول تقسيم السودانيين بحسب الهويات الجغرافيه والهوية ،مما قد يعزز فكرة أن بعض الاقاليم ليست جزءاً من السودان الكبير ،بل مجرد أطراف متفرقة يجب أن أعمل علي هذا النحو .
مايفعله هذا الخطاب العنصري هو أنه يجعل من غير المقبول أن يتعامل السودانيين مع بعضهم كأنهم ليسوا أبناء وطن واحد ،العنصرية أيضا قضية أجتماعية وجودية أذا استمرت فأننا نري بذور إنقسام جديد يمزق البلد الي شظايه صغيرة يصعب جمعها لكن علينا أن نعي أنها فتكت بنا علي مدار سنوات طويلة والآن مازالت جروحها أكثر عمقاً ،فأن التقاضي عنها لم يعد ممكناً خاصة فيما يحدث في السودان اليوم من تمييز وتفرقة بين إقاليمه المختلفة يمثل تجسيد للأنقسامات التي صنعتها العنصرية البغيضة ،الوطن ليس بحاجة الي هذه او التمزق او التفرقة بين إقاليمه ومكوناته وتحديد من يذهب ومن يبقي نحتاج الي صحوة وطنية حقيقية ،صحوة تسعي لتضمد الجراح العميقة التي خلقتها هذه العنصرية ،اذا كان الهدف بناء سودان موحد ،فعلي الجميع أن يتحملوا مسؤولية مواجهة هذا السرطان الأجتماعي بكل ماأوتوا من قوة ، فاذا إ ستمرت لن تفتك بالاقاليم وحدها ،بل ستبتلع كل شئ في طريقها ،الأنسانية ،الحب ،الكرامة علينا أن نفهم أنها العدو الأول لوحدتنا ،واذا لم يتم القضاء علي العنصرية فإننا سنبقي ضحايا لهذه النار التي لم تميز بين أحد عندما يحترق السودان ،بل ستأكل الأخضر واليابس .
أيها الساكن في أرضِ السواد
ما هذا العمى في العيونِ الأشداد؟
ألم ترى أنَّ كلّ الأجساد
من ترابك ومائك، ونبعكِ السهاد؟
كيف للدم أن يفرق بين الألوان؟
وأنت في قلبٍ واحدٍ، في صُلبِ الزمان
تغني الطيورُ بألحانٍ من الأمان
لكن سيف العنصرية يغتال اللسان!
ماذا يضير إذا كانَ لونُك أسود؟
أم أن الأرض تُقسم بين ضوءٍ وظلام؟
كلُّنا أبناءُ الشمس، في فمِها وعدٌ ودَجى
لكن الغُربة في الوطن صارت للظلامِ مقام!
عندما يصرخُ الأطفال في الطرقات
يا مَن تُديرُ الأقدار، يا قسوةَ الأعماق
ألم ترَ في وجوههم كلَّ الأمان؟
فلماذا جعلتَ الظلمَ في الهواءِ دخان؟
أبناءُ النيل، أبناءُ القلوبِ المرهفة
إنَّ هذه الأرضَ تحتضنُ الجميع
من الزهورِ البيضاءِ إلى الأشجارِ العميقة
لا فرق بين قلبٍ وقلبٍ في هذا الوجودِ البديع
فلنزرع الحبَّ في دروبِ السودان
حيث لا مكان للحقدِ، ولا للظُلمِ والطغيان
بل أرضٌ للجميع، بلا حدودٍ أو كيانات
حبٌ ينقشُ على كلّ الجبينِ فجرَ الأمان