في معركة اضيفت الى المعارك هذا العام لا تقل اهمية من معركة تحرير الخرطوم او معركة الإذاعة والتلفزيون ، معركة ضد الفساد ضد البواخر المهترئة، والوجبات التي تُلقى كأنها فضلات، وسكن لا يليق حتى بالحيوانات، وفي كراسي تعجّ بـ”البق” و”البراغيث” و”المارقوت”.
هذه ليست قصة حشرات، بل حكاية إذلال إنساني منظم، تُدار بأختام رسمية، وتُموّل من جيوب فقراء مؤمنين رجوا الحج فوجدوا الذل.
حين أقدمت هيئة الحج والعمرة السودانية على اختيار ناقل أجنبي لنقل الحجاج إلى جدة، متجاهلة وجود ناقل وطني قادر على أداء المهمة.
هذا القرار لم يكن مجرد “اختيار فني”، بل فتح الباب أمام عاصفة من الأسئلة والشبهات، ما دفع الجهات الرقابية إلى فتح تحقيق رسمي عبر نيابة الفساد. ورغم مرور الوقت، لا تزال نتائج التحقيق طي الكتمان، ما يزيد الشكوك ويعمق الجراح.
لكن المأساة لم تتوقف عند النقل، بل امتدت لتشمل الخدمات التي تلقاها الحجاج السودانيون أثناء تأدية الشعائر.
فبدلًا من تقديم الدعم والرعاية، فوجئوا بوجبات رديئة لا تليق بالبشر، وسكن غير آدمي لا يتسع حتى للأنفاس، ناهيك عن الإهمال الطبي وانعدام التنظيم. كل ذلك تحت مسؤولية الهيئة، لا الدولة المضيفة، مما يجعلها موضع اتهام مباشر بالفشل الإداري والإهانة الجماعية.
ومع انتهاء الموسم، خرجت فيديوهات من باخرة العودة التابعة لناقل أجنبي،وعي نفس الباخرة التي فضلها “سامي الرشيد” على ناقلنا الوطني تُظهر في حالة مزرية ، الركاب السودانيون يشكون من وجود حشرات البق، والبراغيث، والمرقوت في المقاعد والغرف، وسط ظروف غير صحية على الإطلاق، رغم أن تذاكرهم بيعت بأسعار فلكية. هنا لا نتحدث عن خلل تقني أو خطأ عارض، بل عن إهانة ممنهجة بحق المواطن السوداني الذي أصبح يُعامل كسلعة، لا كإنسان.
ألا تخافون الله في هذا الشعب؟؟؟
ما حدث في موسم الحج هذا العام ليس حادثة منفردة، بل هو تجلي فجٌّ لانهيار أخلاقي وإداري يضرب عمق المؤسسات.
أن يُهان السوداني في الخارج فهذا ألم، لكن أن تأتي الإهانة من قبل مسؤوليه في الداخل، فهذه جريمة.
المواطن السوداني لم يعد يطلب أكثر من الاحترام ،أن يُعامَل كما يليق بإنسان أدى شعيرة عظيمة، ودفع من ماله وجهده في سبيلها.
لكن للأسف، كرامته تُهدَر كل مرة على يد من يفترض أنهم أوصياء عليها.
و الصمت المفجع من الجهات المختصة حتى اللحظة، وعدم محاسبة من تسببوا في هذه الفضيحة، يُعد تواطؤاً لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، ما نحتاجه ليس اعتذاراً رسمياً أو تبريرات هزيلة، بل محاسبة صارمة وتعويضات فورية، وإعادة النظر في تركيبة هيئة الحج والعمرة بأكملها، بل وكل المؤسسات التي لا ترى في المواطن إلا رقمًا في دفتر الإيرادات.
فالسكوت عن هذه الإهانة، هو دعوة لمزيد من الفساد، ومزيد من الذل، ومزيد من انهيار القيم التي يجب أن تبنى عليها الدولة.