*دولة القانون* *الشعب يريد*

بغضّ النظر عن هوية الفاعل أو حجم مسؤوليته، فإن واقعنا السوداني اليوم في أسوأ حالاته. كثير من أبناء هذا الشعب يوقنون أن هذا الانحدار لن يتوقف، وأننا ماضون نحو الانهيار الشامل ما لم تتدخل معجزة ربانية تنتشلنا من هاويتنا. وحتى لو وقعت تلك المعجزة، فإن الثمن لن يكون يسيراً، بل مهراً باهظاً، يدفعه الجميع: رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً، وحتى أطفالاً.
مهما كثرت الأعذار وتعددت المبررات، فإن عبء التغيير المأمول يقع أولاً وأخيراً على الساسة. والساسة هنا لا يُقصد بهم حصراً القيادات الحزبية أو الطلابية، بل كل من له دور في الشأن العام أو ينبغي أن يكون له دور فيه. القاعدة الذهبية التي تُغلق باب التنصل واضحة: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». فشل القيادات، أو من سبق أن تصدّوا للمشهد العام، لا يبرّر بأي حال أن تتخلى القواعد عن واجبها في التنظيم والاضطلاع بالمهام الضرورية.
كثيرون يرون أن الحرب هي أزمتنا الكبرى، لكن الحقيقة أن الحرب ليست سوى ثمرة مرة لأسباب متراكمة يضيق المقام عن سردها. أخطر ما في الأمر هو هذه الاتكالية المفرطة، التي جعلت كثيرين يفوضون قضايا لا ينبغي أن ينهض بها إلا المواطن نفسه. الصوت الذي يكشف إرادة الشعب لا تصنعه الفضائيات، ولا تكتبه بيانات الرباعية أو السداسية، بل يجب أن ينبعث من الأمة مباشرة، بلا وجل ولا خجل.
الحروب امتحان قاسٍ للأمم، وبدلاً من أن نستغرق في البكاء على الأطلال، يجب أن نحول هذا الابتلاء لفرص نتجاوز بها مراراتنا، مدركين أن أولى خطوات الحل بكسر قيود الاتكال، والبدء بمسؤولية يشارك فيها الجميع، أو على الأقل غالبيتنا. لتحقيق ذلك، نحن بحاجة لقبول الآخر كما هو، بلا شروط مسبقة. نعم، الهوة بيننا واسعة وعميقة، لكن من أجل الوطن، وفي أوقات الحروب، لا بد من تجاوز الخلافات المذهبية والإثنية والجهوية والنوعية. الحل يبدأ بالجلوس معاً، والاستماع لبعضنا البعض، لأن الوطن يستحق، والقانون الذي سنختاره معاً وحده ما سيضمن الحقوق للجميع بمن فيهم المتهمين. أخيراً، وللتاريخ، فإن أخطر ما قد يفتك بما تبقى من وطن هو أن تأتي وصفات حلول أزماته من الخارج، لا من إرادة الشعب.
د. عبد العظيم حسن
المحامي – الخرطوم
15 أغسطس 2025

مقالات ذات صلة