*هدف أمريكا والغرب من حرب السودان إبراهيم محمود حامد ٤ أكتوبر ٢٠٢٥*

مقدمة
تبدو الحرب في السودان أبعد من مجرد صراع داخلي؛ إذ تتقاطع فيها مصالح القوى الغربية، وتسعى أمريكا وحلفاؤها إلى إبقاء السودان في دائرة “توازن الضعف”، وعدم السماح له بالاستقرار أو النهوض. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل امتداد لما يعرف بـ”الفوضى الخلاقة”، وهي ذاتها استراتيجية إسرائيل في المنطقة، والهدف منها تعطيل أي مشروع وطني مستقل يمكن أن يجعل من السودان دولة قوية ومؤثرة في محيطها.

أولاً: أدوات الغرب في تنفيذ استراتيجيته:
1. دعم المليشيا وقوى الحرية والتغيير (قحت) بكل الأشكال:
دعم عسكري، مالي، اقتصادي، إعلامي، وحتى قانوني، مقابل فرض العقوبات الأمريكية على القوات المسلحة السودانية لإضعافها سياسيًا وعسكريًا.
2. تخويف قادة الجيش من التحالف مع الإسلاميين بعد الحرب، خوفًا من أي اصطفاف وطني مستقبلي. فالغرب يدرك أن القوى الإسلامية هي الأكثر تنظيمًا وقدرةً بشريةً، وتمتلك إمكانيات كبيرة تجعلها البديل الأقدر على إعادة بناء الدولة.
3. منع قيام نظام ديمقراطي حقيقي في السودان، لأن أي حكومة شرعية مسنودة شعبياً ستسعى إلى تحقيق المصالح الوطنية وتحرير القرار من التدخلات الخارجية.
4. إبعاد الصين وروسيا عن السودان، نظرا لموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر وموارده الغنية، عبر السعي للسيطرة على الساحل الشرقي كممر حيوي للتجارة والأمن الدولي.
5. السيطرة على سلاح الغذاء من خلال إحكام النفوذ على مشروع الجزيرة، وولايات سنار، النيل الأزرق، وشرق السودان، وهي الولايات الأهم في الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.

ثانياً: الزراعة كسلاح استراتيجي:
بعد بناء سد النهضة الإثيوبي وتوفر مياه الري، أصبحت المنطقة مؤهلة لتنفيذ مشاريع زراعية كبرى مثل مشروع كنانة الكبرى، والمرحلة الثانية من مشروع الرهد، ومشروعات أعالي نهر عطبرة وستيت، إلى جانب المشاريع القديمة في الجزيرة والرهد وحلفا والنيلين الأزرق والأبيض.

وهنا يبرز السؤال الجوهري:
هل ما يجري من قتل ونهب وتهجير وتشريد في هذه الولايات نتيجة للحرب، أم أن الحرب ذاتها وسيلة لإخلاء المنطقة من سكانها الأصليين وكوادرها المؤهلة، لتمهيد الطريق أمام مشروع استعماري جديد للسيطرة على الغذاء؟
ثالثاً: شواهد ميدانية ومؤشرات مبكرة
• استهداف الجزيرة وسنار سبقه إشعال الفتنة القبلية في النيل الأزرق بين الهوسا والقبائل المحلية، ما أدى إلى تهجير واسع وإخلاء مناطق استراتيجية تقع شمال سد النهضة.
• هناك تشابه واضح بين هذه المناطق وبعض مناطق الكونغو الغنية بالمعادن النادرة، وهو ما يفسر اهتمام العصابات الدولية ووكلائها المحليين بها.
• زيارة مدير برنامج الغذاء العالمي (بيزلي) للسودان جاءت لتؤكد هذا الاتجاه، إذ تبين لاحقاً أن الهدف الحقيقي لم يكن إنسانياً، بل إعداد خطة استثمار زراعي ضخمة بإشراف شركات عالمية، سيعمل بيزلي على إدارتها بعد انتهاء فترته في البرنامج.

رابعاً: شهادات وشواهد موثقة
1. شهادة الأستاذ على عسكوري
في مقاله “صراع الموارد وخلفيات الصراع”، نقل عن مصدر داخل برنامج الغذاء العالمي قوله:
“أنتم السودانيون لا تدرون بما يدور في العالم. لديكم موارد زراعية هائلة والعالم يحتاجها لتفادي مجاعات قادمة بعد حرب أوكرانيا. ومع ذلك تتناحرون. صدقني، العالم لن ينتظركم”.
2. شهادة البروفيسور إبراهيم الدخيري:
ذكر أنه سأل أحد الخبراء الزراعيين المرافقين لبيزلي عن سبب زيارة كاودا، فأجابه:
“كل هذا مجرد (كومو فلاش). الهدف الحقيقي هو مشروع الجزيرة، وسنذهب إليه مباشرة بعد العودة من كاودا”، وقد تم ذلك فعلاً.
3. شهادة الدكتور فضل عبدالله فضل:
روى أنه أثناء عمله وزيرا للدولة بوزارة التجارة عام ٢٠١٠، سمع من المبعوث الأمريكي “غريشن” أن الولايات المتحدة وضعت خططًا زراعية في الجزيرة منذ عهد نميري (1985)، لكن الانتفاضة حينها عطلت التنفيذ. هذا يؤكد أن المشروع قديم ومخطط له منذ عقود.
خامساً: السيطرة على الغذاء كسلاح عالمي:
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تمويل سد النهضة، إلى جانب دعم الإمارات للمشروع، تكشف أن الهدف الأعمق هو السيطرة على مصادر الغذاء، أحد أهم أسلحة الهيمنة في القرن الحادي والعشرين.
الكاتب سالم الأمين أوضح في مقاله أن ولايات الوسط والشرق — الجزيرة، الفشقة، نهر عطبرة، البطانة، سنار، والنيل الأزرق — تشكل المسرح الفعلي لدراسة جدوى سد النهضة، وأن المياه المتدفقة منه لا تستفيد منها إثيوبيا فعليًا، بل الأراضي السودانية، ما يشير إلى أن المشروع موجّه في جوهره لخدمة أجندة خارجية وليست تنموية وطنية.
سادساً: تكرار التجربة الدارفورية:
التجربة التي جرت في دارفور — إبعاد السكان عن مناطق غنية باليورانيوم، وتوطينهم في مخيمات مجهزة — يُراد الآن تكرارها في النيل الأزرق وولايات الوسط والشرق.
المنظمات ستتدخل “لإغاثة المنكوبين”، وتُقام لهم المخيمات بعيداً عن الثروات، ليبدأ تنفيذ الخطة بهدوء:
إخلاء الجزيرة والكنابي تدريجياً، حتى يُعلن لاحقًا دخول “القوات الدولية لحماية المدنيين”.
سابعاً: كيف نواجه هذا التحدي؟
المعركة الأولى للسودان ليست عسكرية بل معركة وعي وطني، لأنها الأساس في حماية السيادة الوطنية وتقليل التدخل الخارجي.
عناصر الاستراتيجية الوطنية المقترحة:
1. حوار وطني شامل يضم كل المكونات السياسية والاجتماعية لإنهاء الصراعات وتحقيق الوحدة الوطنية.
2. استقرار سياسي حقيقي عبر نظام ديمقراطي لا مركزي ودستور دائم يضمن العدالة في السلطة والثروة.
3. بناء اقتصاد إنتاجي مستقل يعتمد على الزراعة والصناعة والتقنية، بعيداً عن مؤسسات الغرب المالية، وفق مفهوم “الاقتصاد المقاوم” القادر على الصمود أمام العقوبات والأزمات.
4. تنويع العلاقات الخارجية بتقوية الصلات مع الاتحاد الإفريقي ودول الشرق (الصين، تركيا، ماليزيا).
5. النهضة العلمية والتعليمية بربط التعليم بالاقتصاد الوطني ودعم البحث العلمي والجامعات كمحركات للتنمية.
6. إصلاح مؤسسات الحكم ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، وتوحيد المؤسسة العسكرية والمدنية تحت مظلة وطنية واحدة.
خاتمة:
من خلال مقارنة تجارب الدول، يتضح أن الاعتماد على الذات، وتنويع العلاقات الدولية، وبناء مؤسسات وطنية قوية، والاستثمار في التعليم والبحث العلمي، هي الركائز الأساسية لحماية القرار الوطني واستقلال السودان.
بتطبيق هذه المبادئ تدريجياً وبحكمة، يمكن للسودان أن يعيد بناء نفسه، ويخرج من دائرة الفوضى إلى دائرة الوعي والاستقرار والبناء وذلك عبر مشروع وطني شامل ومتوافق عليه.

مقالات ذات صلة