*خبر وتحليل – عمار العركي *_السودان… الرقم السري في معادلة الشرقين: الأوسط والأفريقي_*

* لم يعد السودان مجرد ملف إقليمي متوتر يمكن تناوله بمنطق البيانات والتصريحات ، السودان ومن خلال ادارته لمعركته الوجودية الخاصة أثبت بما لا يدع مجالا للشك انه “الرقم السري” في معادلة النفوذ الإقليمي والدولي، ومحور عصي لتقاطعات مصالح واشنطن والرياض وأبوظبي وتل أبيب، في توقيت يُعاد فيه هندسة الشرقين الأوسط والأفريقي ، وفق خرائط قوة جديدة.
* كثيرون استهجنوا او إستغربوا تصريحات الرئيس ترمب التي بدا منها أن ملف السودان خارج دائرة اهتمامه؛ لكن هذا ليس غريباً على الرجل. فترمب – في فترته الأولى والحالية – لم يزر أفريقيا مطلقاً، ولم يُظهر أي اهتمام فعلي بملفاتها، بل ترك القارة كلها تدار عبر المبعوثين الخاصين والحلفاء الإقليميين.
* وفي هذا الفراغ، نجحت الإمارات في استمالة المبعوثين الخاصين وتعزيز نفوذها داخل الخارجية الأمريكية المعنية بملف السودان وقتها ، مستغلة ضعف الاهتمام الرئاسي. وهكذا تمكّنت أبوظبي من تحييد الملف السوداني داخل وزارة الخارجية لفترة، قبل أن يُسحب لاحقاً إلى البيت الأبيض، حيث تُدار الملفات الأكثر حساسية.
* أما داخل المؤسسات الأمريكية الأعمق، وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، فالوضع مختلف تماماً؛ إذ ظلّ ملف السودان يُدار لسنوات طويلة بمهنية صلبة، قائمة على شراكات وتعاون عسكري واستخباري ممتد مع الجيش السوداني وجهاز المخابرات العامة ، بغضّ النظر عن التوتر السياسي بين الخرطوم وواشنطن. غير أن الزاوية الأكثر حساسية في المشهد ليست واشنطن وحدها، بل سباق النفوذ بين السعودية والإمارات، سباق لا يُفهم المشهد السوداني من دونه.
* فالقول إن السعودية تتحرك امتداداً للمشروع الإماراتي تبسيط مخلّ للحقيقة. والصحيح أن السعودية تريد أن تحل محل الإمارات في ملف السودان، لكن وفق رؤية مختلفة تماماً عن رؤية أبوظبي.
* فالسعودية تسعى لاستعادة موقعها التقليدي كالحليف الأول لواشنطن في الشرق الأوسط وإفريقيا، بعد أن تمدد النفوذ الإماراتي على حسابها منذ ثورات الربيع العربي، مستفيداً من اندفاع أبوظبي وتدخلاتها الواسعة في ليبيا واليمن والقرن الإفريقي.
* هذا التمدد الإماراتي كان خصما علي الرياض ،وخلق توترات مكتومة مع أبوظبي ، خصوصاً حين بدأت أبوظبي تسحب البساط من النفوذ السياسي والأمني السعودي داخل المؤسسات الأمريكية. واليوم يظهر هذا التوتر بشكل جليّ على الساحة السودانية.
* السعودية – رغم ضبابية مواقفها المعلنة – تتحرك وفق رؤية مغايرة قائمة علي منع تفكك الدولة السودانية، حماية أمن البحر الأحمر، والحد من قيام نموذج مليشياوي يشبه الحالة اليمنية. فهي تدرك أن انهيار الدولة السودانية سيخلق واقعاً أمنياً خطيراً يصل مباشرة إلى حدودها الجنوبية.
* أما الإمارات، فتحركها يقوم على هندسة مشهد يضمن وجود مليشيا تابعة لها في السودان، بما يخلق لها ممراً استراتيجياً يمتد من دارفور إلى الساحل والبحر الأحمر، ويعزز نفوذها الاقتصادي والأمني، في إطار مشروع إقليمي أوسع تدعمه قوى دولية وعلى رأسها إسرائيل.
* بهذا يصبح السودان ميدان تصادم بين رؤيتين إقليميتين: رؤية سعودية تريد دولة سودانية قائمة – ولو بحدها الأدنى – ورؤية إماراتية لا تمانع تفكيك الدولة إذا كان ذلك يخدم المشروع المليشياوي الاسرامارتي طويل الأمد.ث، وفي المنتصف تقف الولايات المتحدة بنظرة اعتبارية عامة ان السودان نقطة ارتكاز حيوية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لا يمكن التفريط فيها.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
* السودان اليوم ليس “رقماً” في معادلة السياسة الإقليمية فحسب ، بل هو الرقم السري الذي يعيد ضبط ميزان النفوذ والتوازن في المنطقة، وما نشهده من صراع حوله ليس تنافساً على دور مؤقت، بل هو صراع على مستقبل الشرقين الأوسط والإفريقي.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole