*حسن واحد عاد… فكم فاسدًا سيعود بعده؟*

من أين نبدأ؟ من الفساد الذي سال حتى غرق في دهاليز الجهاز؟ أم من القبيلة التي صارت بطاقة الهوية الوحيدة للترقي؟ أم من الإسلاميين الذين أعادوا رسم المؤسسة على مقاسهم كما تُفصّل العباءة على جسد شيخٍ مترهل؟
جهاز الأمن في السودان ليس مؤسسة وطنية. هذه الجملة يجب أن تُكتب على الجدران، على بوابات الخراب، وعلى الوجوه التي صنعت من الجهاز مزرعة حزبية، ومغسلة قذرة للفساد، ومصنعاً يفرخ الولاءات كما تُفرخ الدواجن في الظلام.

ما الذي يعنيه أن يعود ضابط مثل المقدم م. حسن أحمد الطيب، بكل سجله الأسود، بكل فساده، بكل ارتباطاته بالحركة الإسلامية، بعد أن طُرد شر طردة بسبب الشيكات المرتدة والمخالفات المالية؟
يعني ببساطة…الجهاز لم يتغيّر… ولم ينظف نفسه… ولم يتبرأ من الإسلاميين… ولن يفعل.

هذا الجهاز الذي يخرج علينا قادته كل يوم بخطب وطنية منمقة، هو ذاته الجهاز الذي يعيد تدوير الفاسدين كما يُعاد تدوير النفايات.
لكن الفرق بسيط:
النفايات تُحرق… أما الفاسدون فيُعاد توظيفهم.

جهاز الأمن ليس هو من يحمي الدولة.
هو من ينهش الدولة.
هو من يفتح أبوابها للفساد، ويحرس اللصوص، ويوفر غطاءً سياسياً لكل من تسلق على ظهر الحركة الإسلامية ليحكم، يبطش، يسرق، ويقمع.

دعونا نقول الحقيقة كما هي، بلا تجميل ولا خوف:
الإسلاميون لم يخرجوا من جهاز الأمن يوماً.
لم يغادروا مكاتبه، لم يرفعوا أيديهم عن مفاصله، لم يتخلوا عن مناصبهم.
بل تركوا أشباحهم، خلاياهم، أتباعهم، ضباطهم، رجالهم في كل ركن من أركانه… ثم جلسوا يضحكون على الدولة التي ظنت أنها تخلصت منهم.

والأدهى من ذلك أن الجهاز الذي يُفترض أنه مؤسسة “مهنية صار اليوم خرائط قبائل.
ترى الضابط الفلاني لأنه من القبيلة الفلانية.
وتُفتح له الأبواب لأنه “ود ناسنا .
وتُغلق أمام آخر لأنه من منطقة لا تُرضي شيوخ الحركة.
فهل هذا أمن دولة… أم أمن عشائر؟
هل هذا جهاز مخابرات… أم مجلس شورى قبلي؟

يقولون لنا إن الأمن الاقتصادي يحمي الاقتصاد.
أي اقتصاد؟
اقتصاد الشيكات المرتدة؟
اقتصاد النفوذ؟
اقتصاد الطلعات الليلية لابتزاز التجار وإغلاق الشركات وفتحها حسب المزاج؟
جهاز الأمن كان – وما زال – هو العربة التي تحمل الفساد من عهد البشير بلا توقف، بلا تردد، بلا حياء.

إعادة حسن أحمد الطيب ليست حادثة منفردة… بل هي رسالة.
رسالة تقول إن من سرق، ومن زور، ومن اعتدى، ومن خدم الحركة الإسلامية، سيعود مهما خرج.
لأن الجهاز ليس مؤسسة دولة… بل ملكية خاصة للحركة الإسلامية
وما دام الإسلاميين موجودين في الظل، في الهامش، في الجيوب، سيبقى الجهاز ذراعهم الطويلة التي يمتد بها فسادهم.

البرهان يقول إن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالحركة الإسلامية.
لكن الجهاز يعيد ضباط الإسلاميين واحداً تلو الآخر.
فمن نصدق؟
الكاميرا أم القرارات؟
التصريحات أم الأفعال؟
الكلمات أم الأبواب الخلفية التي يدخل منها رجال قوش حتى اليوم؟

إن هذا الجهاز بصورته الحالية ليس خطراً على المعارضة فقط… بل على الدولة نفسها.
مؤسسة مخترَقة، متآكلة، يديرها ولاء القبيلة، وتحكمها الحركة من تحت الطاولة، ويستبيحها الفساد، لا يمكنها أن تصنع استقراراً، ولا أن توفر أمناً، ولا أن تحمي وطناً.

هذا جهاز يحتاج إلى مقصلة، لا إلى ترقيات.
يحتاج إلى تطهير شامل، لا إلى إعادة تدوير الفاسدين.
يحتاج إلى فتح ملفات، لا إلى إغلاقها تحت الطاولة.
يحتاج إلى ثورة، لا إلى اجتماعات.

ولنكن واضحين:
السودان لن ينهض وهناك جهاز أمن تديره الحركة الإسلامية، وترعاه القبيلة، وتحميه المحسوبية.
الدولة لن تنهض وجهازها الأمني محتل من الداخل.
المؤسسات لن تعمل طالما أن الولاء لا يزال أهم من الكفاءة، وأن الضابط الفاسد يُعاد بينما الشريف النزيه يُبعد.

جهاز الأمن اليوم هو أكبر خنجر في جسد السودان.
وإذا لم يُنزع هذا الخنجر، ويُطهر الجرح، فلن تكون هناك دولة… ستكون هناك فوضى، ويكون الجهاز هو سيدها

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole