*محجوب محمد عثمان ينعي عثمان عمر الشريف … القاهرة: ١١ فبراير ٢٠٢٤*.

نعى الناعى صباح اليوم ابنا من أبناء السودان احبه ونزر حياته لرفعته وأمنه ، وعلما من اعلام الحركة الاتحادية ، عاش مسكونا بحبها، قضى فى رحابها عمره بجد واخلاص لم يفتر له عزم ولم يخمد له نشاط ، لم يلهه لاهى ولا جاه ولا مال. كان خطيبا مفوها وصناجة ارب ، عرفته المنابر منذ كان عضوا بارزا فى اول لجنة تنفيذية للطلاب الاتحاديين وهو بعد يافعا ، يتلمس الخطى على عتبات مداخل دراسته الجامعية . علا نجمه واستبان سعيه. رحل عثمان عمر الشريف ورحلت معه صفاءه ونقاءه ، رحل معه صموده وعزته، ايمانه بوطنه وعشقه لحزبه . وهبه الله نفسا قنوعة وقدرة على التحمل وحين زرته فى سجن الابيض وجدته وكأننى فارقته قبل أيام . جلسنا نجتر ذكريات هى عنده مخزون لا ينضب ، ومعين لا غور له . وهاهو الان يغادر ، وتشاء الاقدار ان تفتقده الجزيرة الممهورة عنده بحفيف الذكريات وحواشى الشجون. مدنى فيها مراتع صباه ودنياه التى هى عشقه وحلمه الوارف الظلال . معطون فى ذرات ترابها ، مسكوب بماءها وزرعها وضرعها . يجوب دروبها وحواريها ، بواديها وحضرها . انها الجزيرة عشق عثمان الابدى ، وحين تناديه يقف امامها فى تؤدة واجلال. يقف مشدوها مما رأت العين وتأثرت به النفس واهتز له القلب . تلك هى تبادلية العلاقة بين الجزيرة وابنها عثمان. الاعجاب إلى حد البهر والاتكاءة على مرافئ الهيام . ولكنها الاقدار المقدرة ، نخفض له الجناح وتنحنى لها الرؤوس ، فيها وبها مبتدانا ومنتهانا ، ولا تدرى نفس بأى ارض تموت . ساقت الاقدار عثمان إلى القضارف مستشفيا من وعكة لازمته ، وكان حظه العاثر وقدره المقدور ، ان يرى الجزيرة تجتاحها جحافل المغول الجدد . أمواج من قتلة وصعاليق وقطاع طرق ، يستبيحون ديار العز والنماء ، قتلا ونهبا وترهيبا . يصاب اهلها الامنون بما لم تره الاعين ولا طافت به الخواطر . خرج عثمان والكثيرين طلبا للشفاء والتطبيب والتدواى وقد خلت مشافى مدنى من الأطباء والدواء ، وما حسبوا انه رحيل بلا إياب . جاءنى صوت الشقيق مجدى مصطفى من باريس ، عبر الاثير . حسبته طفق يكمل ما بدأناه امس نجدد الامل بالاسراع فى نقله من القضارف إلى بورتسودان ثم إلى القاهرة ولكن مجدى يقول غير ذلك وهو على غير عادته ، وقد تحولت نبراته إلى مسموعات تتوسد الالم وتنضح بالحزن . رحل عثمان . فقد الاتحاديون رجلا ازدانت حياته بالمواقف الكبيرة . كان هو واشقاء له فى رابطة الطلاب الاتحاديين ، وقد نهلوا من معين الآباء المؤسسين ، وحين اشتد عودهم، حملوا الراية وتولوا القيادة ، فربما الزمن السهل غير الزمن الصعب ولكنهم ما خيبوا الرجاء ولا زللتهم عواتى المحن . كنا فى أواخر ثمانينات القرن الماضى وأمن مايو يشدد قبضته على معارضيه وقد تبعثرت الجبهه الوطنية بمصالحة الاسلامين لمايو ، ثم حزب الامه ، واضحى الاتحاديين فى مواجهة نظام مايو . دخلت القيادات الاتحادية السجون . وكان صفهم الثانى يتولى زمام الحراك بتوزيع المنشورات وإقامة الندوات . وكانت مجموعة من قيادات الولايات تأتى لتتواصل مع القيادة الام وتلم بالمستجدات. وكان عثمان عمر يأتى من الجزيرة بعربته (السيهان بيرد) وما ان يصل العاصمة حتى ينضب مخزونها من الوقود الذى كان يومذاك نادرا ندرة ليس بعدها ندرة . كنا نرتب له من الوقود ، ربما اذا ساعدنا الحظ هى (جركانه) ليعود إلى مدنى حاملا المنشورات وشرائط كاست الشريف حسين وإعداد لا بأس بها من مجلة الدستور ويحمل معه الخطر بالقبض عليه وتفتيش فى رحلة العودة وهو المحامى المصادم للنظام . وحين يأتى الصباح يجد كبار الرسميين فى حكومة الاقليم الأوسط ومكاتب كبار موظفى مشروع الجزيرة ، مجلة الدستور على مكاتبهم وافتتاحيتها بقلم الشريف حسين . وحين ذهبت ريح مايو وترنح صولجانها كانت مدنى فى مقدمة ركب هبة ابريل وجاء عثمان محمولا بحب الجزيرة الخضراء إلى البرلمان ، ثم وزيرا يشار اليه بالبنان، يتدثر بحب واحتفاء يظلان فى سيرته ما بقيت ذكراه فى القلوب التى احبته. رحم الله شقيقنا العزيز عثمان عمر الشريف. ونسأل الله ان يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين والأبرار ويلهم اسرته واحبابه واصدقائه وعارفى فضله وكل الذين كانوا حوله ورافقوه فى الحقل الوطنى ، الصبر على رحيله . والتعازى موصولة لكل الأشقاء الاتحاديين بمختلف تكويناتهم وربما تصدق نبوءة عثمان حين كان يراهم بعين خياله أقرب للواقع وقد تماسكت اياديهم وعادت وحدتهم ، يضمدون احزان الوطن الجريح ويمسحون دموعه . انا لله وانا اليه راجعون. محجوب محمد عثمان. القاهرة: ١١ فبراير ٢٠٢٤.

مقالات ذات صلة