*دولة القانون* *المسؤولية السياسية[2]*..عبد العظيم حسن المحامي الخرطوم 28 يونيو 2024*

الدرس الأعظم والمستفاد من تجربة الوثيقة الدستورية أنها ألقت على كاهل قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) حمولة أكبر من طاقتها. فبعد كل التضحيات العظيمة استطاعت قوى الثورة أن تزلزل نظام الثلاثين من يونيو. إزاء هذا النصر، لم يكن أمام قوى الثورة من خيارات سوى تقديم الدعم اللا محدود والوقوف بجانب قحت بلا منٍ ولا أذى. لربما كان من الممكن أن تكون النتائج أفضل لو كان هولاء الشباب تواضعوا مستمعين ومستجيبين للنصائح المخلصة التي بذلت لهم. للأسف، ومن خلال التجربة الطويلة استبان أننا تربينا على قبول الإطراء والمدح أما النقد، فحتى وإن كان إيجابياً ومشفوعاً بحلول شفوية وأخرى مكتوبة، فهو مرفوض ومن يقدمه إما خائن أو في أحسن التفاسير منافس وتواق لمنصب.
التحدي الثاني، والذي قد يكون بنفس أهمية الدرس الأول، أن المتصدين للمشهد كانت تعوزهم قدرة التمييز بين مسؤوليات المعارض والناشط السياسي وواجبات ومسؤوليات رجل أو سيدة الدولة. فمن يتولى الحكم لا تقف مسؤولياته، وحصراً عند إرضاء المؤيدين بقدرما العمل على بسط أجنحة السلام لكل المواطنين وإزالة الكراهية والتهيئة للإعمار ومنع وقوع الحرب مهما كان الثمن. ما لا يدركه الكثيرون أن المسؤولية السياسية المترتبة على إفشال ثورة بقامة ديسمبر المجيدة، أن الثمن لن يدفعه من فشلوا وإنما سيتحمله كل الأطفال والنساء والرجال، ولعقود من الزمان. مهما يكن من أمر، وللاستفادة من هذه التجربة القاسية، يمكن تلخيص أسباب الفشل في: *السبب الأول*: عدم الإفادة من الزخم الثوري والتأييد اللا محدود الذي وجده من تصدوا للمشهد. فهولاء الشباب، وبصورة تدريجية، عزلوا أنفسهم وفقدوا الكثير من قواعدهم لإهدارهم طاقات كانت جاهزة لتغيير مجرى النيل العظيم. *السبب الثاني*: الدخول في معارك قابلة للتأجيل سواء فيما بينهم أو ضد متربص تحوطه التناقضات وذلك لحين الوصول لحكومة وبرلمان منتخبين. *السبب الثالث*: من تصدوا لملفات الثورة، وبكل سذاجة، لم يكونوا في أنفسهم مستعدين أو منفتحين للاستعانة بالقادرين على مواجهة الخصم العنيد. فصاحب الحق، وبدلاً عن الاستعانة بفريق بنفس المستوى، إن لم يكن أفضل، إذا به يصر على التباكي والبحث عن التبريرات لتعليق فشله على شماعة عدو كانت كل الفرص سانحة لهزيمته. *السبب الرابع*: بدلاً عن توسيع المشاركة، مضت قحت في الاستئثار بإدارة ملفات وتحمل مسؤوليات كل واحد منها كفيل بأن يجهض الثورة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تلكأت وفشلت في تكوين المجلس التشريعي وتشكيل المحكمة الدستورية بالإضافة لتسليم ملفي السلام والاقتصاد في طبق من ذهب لحميدتي. *السبب الخامس*: قحت، وبدلاً من أن تتماسك وتسعى بكل ما تملك لاستقطاب الحركات المسلحة اختارت المواجهة المفتوحة. بالطبع، ولما لتلك الحركات من نوايا معلومة، لم تتردد في أن تنحاز لمعسكر القوة، فكانت النتيجة انقلاب 25 أكتوبر. *السبب السادس*: بعد الانقلاب، قررت بقايا قحت تقييم تجربتها في الحكم. هذه الفكرة الألمعية والمطلوبة لتطوير تجربتنا السياسية كان من الممكن أن تعيد الروح للثورة. بكل أسف، ولما شاب التنفيذ من خلل كانت النتيجة زيادة الشقة بينها والشارع. بكلمة واحدة، أكبر عيوب هذه التجربة أن الخاضع للنقد والتقييم كان ذات الخصم والحكم. *السبب السابع*: ذات الفكرة الألمعية تبين أنها مقدمة لمشروع دستور لجنة تسيير نقابة المحامين والتمهيد للاتفاق الإطاري الذي فصلته قحت على مقاسها مقررة، بإيعاذ ودعم إقليمي ودولي، أن يكون خارطة للمرحلة. ما ظلت تتغافل عنه قحت إصرارها على عدم الشفافية ورفض أي نقد بالإضافة للتمسك بسلطة غير مستحقة بلا سند جماهيري وكأنها القوى المدنية الوحيدة الممثلة للثورة. لتجاوز هذه التجربة المريرة التي أفضت لحرب الخامس عشر من أبريل، وما ترتبت عليها من تداعيات يجب أن يُسأل عنها كثيرون بغض النظر عن درجة المساءلة. في المقال القادم سنتناول المطلوب للخروج من المأزق، ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
28 يونيو 2024

مقالات ذات صلة