(مهلا أيها الموت)، تحت هذا العنوان، درج الأستاذ كمال حامد، الكتابة في عموده الراتب (من السبت الي السبت) كلما انشبت المنايا اظفارها، في أحد معارفه من الرموز والأعلام، اليوم اطرق بابه مستأذنا، للنزول تحت رايته، وقد فجعنا الموت، الذي لايخطي أحدا، برحيل الشامخ المعروف، الفنان صديق احمد، الذي جعل لأغنية الطنبور، اسماً ومعنيً ومكانةً،من خلال تناوله وتجواله بين رياض الشعراء، لإختبار النافع والمفيد….لم يكن صديق احمد فناناً فحسب، بل كان أحد رسل الإنسانية، حمل لواء ترقية الذوق، وترطيب الدواخل، مثل غيره، تكاملت ادواره مع أجيال من المبدعين، سبقته واجيال أتت بعده، منهم، عبد الرازق بندة، بخيته فرفاشه، بخيت صلاح الكوده، عبد الرحمن بلاص، إدريس ابراهيم، النعام آدم، عبد المنعم بشير، عثمان اليمني، عوض عابدون، النور حسنين، علي اليمني، إسحق كرم الله، عثمان اليمني، عبد الرحمن الكرو، عبد الرحمن عجيب، صالح حسين، عباس فقيري، محمد كرم الله، محمد جباره، عيسي بروي، ميرغني النجار، عبود تبوري، يوسف كرم الله، يسن عبد العظيم، عادل عثمان الطيب، علي حسين، عبد الرحمن البركل، ثنائي العامراب، كباشي جعفر، عبد القيوم الشريف، جعفر السقيد، عبد المنعم عبد الفارس، عبد الرحيم أرقي، عبد الرحيم البركل، ود المساعيد، النصري، حافظ الباسا، معتصم ابراهيم، عبد الله حسن مدني، حسن اوسلي، سيف حسينارتي، هيثم قنتي،الحبيب البرصة، وغيرهم من جيل الشباب، كثير منهم، تاثروا بنهجه،واقتفوا أثره، وحاكوا طريقته، لا غرابة في ذلك، ان كان للفنون مدارس كما يقولون، فالكروان صديق، له جامعة متميزة، تركت أسلوبها هنا وهناك..
عندما إلتحقنا للعمل بالإذاعة السودانية، كان صديق احمد، أحد فنانيها المعروفين، كنا نسمعه قبل ان نلتقيه، تقول روايات شهود العيان الذين شهدوا بدايته في الإذاعة، إنه لامس اثيرها، أوائل السبعينات، من أشهر أغنياته في تلك الفترة (عبله) و(بلالي متين يجي)، التي يقول فيها..
الرسول يا ود عمتي.
إن درت راحتي وجمتي.
رسل لي التسريح اللجي.
بركب البسابق الريح.
واجي العاصمة واستريح.
الشغالة تسوي التبيخ.
وكل جمعه نزور الضريح..الخ
بدأ صديق أحمد مساره الغنائي بمدينة (جبيت)، حيث كان يعمل والده، بترديد أغنيات الراحل محمد وردي، وكان الأخير معجباً باغنيات صديق، وطريقة أدائه، مثلما كان الفنان ، عبد الرحمن عبد الله، يستهل وصلاته الغنائية، (برمية) من بعض أغنيات صديق…تعامل صديق أحمد، مع أكثر من سبعين شاعرا، إلا ان ارتباطه بالشاعر الكبير ، عبد الله محمد خير، كان لافتاً، من خلال ثنائيتهما المعروفة، التي كانت امتداداً،(لثنائيات) الآخرين،، النعام آدم وحسن الدابي، إدريس إبراهيم وصلاح علي بابكر، عبد الرحمن بلاص والشلالي، إسحق كرم الله ونور الهدي كنه، عثمان اليمني وعبد الله كنه، محمد كرم الله ومحمد سعيد دفع الله، محمد جبارة والسر عثمان الطيب، يسن عبد العظيم وإبراهيم ابنعوف، ميرغني النجار ومحمد عثمان ابو شعب، عادل عثمان الطيب وحميد، عبد الرحمن الكرو وعبد المنعم ابو نيران، وغيرهم كثير…
كان صديق مجاملاً لأبعد الحدود، يشارك الطلاب والمعارف مناسباتهم، دون أن ينظر، ولو خلسة إلي مافي جيوبهم، في الثمانينات كانت له عربة من ماركة (الاندروفر)، كتب عليها بخط عريض (المسبلة)، كان أقطاب اغنية الطنبور، من الفنانين والشعراء والمهتمين، يجتمعون بصورة راتبة، في منزل الملحن محمد الحسن سمير، بامبدة الحارة ١١، كلما دعاهم المرحوم،سمير، لسماع صوت جديد، لاجازته قبل ان يدفع به إلي لجنة الأصوات بالاذاعة، التي كانت تضم العمالقة، برعي محمد دفع الله، العاقب محمد حسن، أحمد داؤد، الكحلاوي، محمدية، وغيرهم،من دار سمير، خرجت عشرات الأصوات التي تمت إجازتها، منهم النجار ويوسف كرم الله، بروى، علي حسين، عبود تبورى، عادل عثمان الطيب، وغيرهم، عندما ينفض السامر عقب كل لقاء جامع، يتولي صديق احمد، ترحيل الحاضرين، كل الي وجهته، حيث يقيم فى، أمبده والثورات، والخرطوم وبحري والحاج يوسف، يأخذهم (بالمسبله)، لايتقاضي منهم مالاً،ولا يرجو ثناءًا، يري ذلك واجباً، يؤديه، بالرغبة وطيب الخاطر،رحل غداة رحيله، لا يمتلك المال ولآ العقار، كان يتنقل بأسرته بين بيوت الإيجار…
قبل الحرب ، تنادي مجموعة من الحادبين،الذين يعرفون صديق، للعمل علي تكريمه ، بما يساوي دوره، ويوازي تاريخه، بينهم، علي فقير عبادي، وبشير محمد حسن(بشير الضو)، ويوسف كرم الله، وغيرهم، زرناه في منزله بأم القري ببحري، قبِل الفكرة بعد نقاش طويل، سأله علي فقير عبادي، عن احتياجاته العاجله، لتعمل اللجنة علي توفيرها،بقدر المستطاع، بعد إلحاح شديد، لم يطلب صديق، الفارهات، ولآ المزارع ولأ القصور ، كانت امنيته ان يغتني فقط(حافلة)،(تشيل الرُكاب) لتساعده في مصاريف البيت، لم تأتي(الحافله) ولآ حتي (التكتك)، أتت قبلها الحرب، تطل بوجهها القبيح، توقف كل شيء، هام الناس علي وجوههم،(منهم صديق)، يبحثون عن الأمان، حتي وافته المنية، قبل أن يفرح مع بني وطنه، بعودة الوطن الجريح، سيعود الوطن حتماً لا محالة، بعد تطهيره يا صديق من نواميس العمالة، ستقدل روحك تلفح الحرية شالة، لابسه جلبابه المطرز بالعدالة،سينهض الوطن من كوبته، قوياً كحصان جامح،ستفرح، فأنت معنا، رغم غيابك الواضح.الذي اورث القلوب جروحاً غائرة، ألهمت صديقنا الشاعر فتحي الجعلي، هذا (المُسدار )، الذي خصني به، مواسياً ومعزياً…
(رحل العندليب الكان دوام يشجينا….
انقطع الوتر والنعمة جاتنا حزينة..
الشوق للوطن في غناهو كلمة حنينة..
رزق الغربة طاير لا بشبعنا لا بروينا).
كان ردي علي الجعلي، بكليمات (مسجوعة) ، بذات القافية، فهي عادة درجنا عليها يوميا……
(يا زمان بالله أشهد صحيح رحل شادينا..
بي نغمو الحنين من كؤوس الطرب ساقينا..
يساسق بالدروب نشوان صوتو فى رادينا…
تاني ياصديق بعد الفراق شن لينا)…
اللهم أرحمه واعفو عنه، واجعل مقامه بين الصالحين، ويا زمان بالله أشهد، أن الحزن بعد رحيله، سيمكث بين الناس طويلاً ،ومكانه سيظل شاغراً بين منظومة المبدعين، وسلام عليه بين الخالدين….