الثابت في الترجمه هو نقل المعنى بعد إستخلاصه استناداً الى السياق الذي ورد فيه، والسياق “context”هو الذي حال حتى الآن دون أن تحل الترجمه الآلية محل الترجمة البشريه رغم الامكانات البشريه والتقنيه والماليه التي توفرت لها، فالكلمة خارج السياق المعين تكون (حمالة أوجه) وتحمل أكثر من معني.
فكلمة driver يمكن أن تكون سائق أو دافع أو محرك، والسياق وحده هو الذي يغلب معنى ويبعد معان أخرى.
فاللغة مرآة نري عبرها ثقافة وحضارة من يتحدثها، ونظراً لإختلاف الثقافات والحضارات، فإنه يصبح من الضروري أن يأخذ المترجم ذلك في اعتباره بطرح السؤال الآتي قبل الترجمة الى اللغة المنقول اليها: كيف يعبر أهل اللغة المنقولة إليها عن هذا المعني او المفهوم؟ هذه الاختلافات بعضها بيئي وهو الغالب وبعضها ديني والبعض الآخر إجتماعي. فالأوروبيون يحبون الصيف حباً جمّا وتأتي بعض أمثالهم وأقوالهم المأثوره مضمخة بعطر الصيف وحرارته، فالصيف هو فترة عطلاتهم والذهاب الى البحر لتعريض أجسادهم لحرارة الشمس من أجل اكتساب اللون البرونزي، ونحن كما قال شاعرنا المجيد الراحل المقيم صلاح أحمد إبراهيم (شحنتني بالحرارات الشموس وشوتني كالقرابين على نار المجوس) ولسنا في حاجة للمزيد من حرارتها. فالشمس وإن كانت ستبقى نعمة من نعم الله الإ أنها عندنا تعني الحر الغائظ وإنقطاع التيار الكهربائي وفي وقت سابق كانت على علاقه بمرض السحائي. وهكذا يمثل الصيف شيئين مختلفين لنا وللأوروبيين.
فإذا أردت أن تترجم الى العربيه غزل شكسبير في معشوقته وربما كان في الصيف نفسه عندما قال:”May I compare thee to a summer’s day”. لابد للمترجم ان يحك رأسه اكثر من مره، فلا يمكن لمحب سوداني أو عربي أن يسعد محبوبته وهو يشبه وجهها بيوم من أيام الصيف بكل متاعبه وحرارته، الا اذا كان(قد قنع من خير فيها)، وهذا اختلاف بيئي يجب ان يؤخذ في الاعتبار ، فالشمس عندنا كناية عن الوضوح بينما يمثل القمر مرجعيتنا الكبرى في الجمال.
وفي ذات السياق البييئي. يقول الانجليز عند فرحتهم بنبأ سعيد : “Your success warmed my heart وهنا تتحول الترجمه الى التعبير العربي الأنيق أثلج صدري، وشتان بين الدفء والثلج، والامثلة كثيرة في المجال البيئي، وتحضرني كثير من الحكم الانجليزيه والاقوال المأثوره التي لا يمكن أن تترجم حرفياً وإنما تترجم الى العربيه مختلفة شكلاً ولكنها تبقى وفية من حيث المعني والمضمون مثل. Jack of all trades master of non. ففي العربيه يقال سبع صنايع والبخت ضائع، ويقال كذلك صاحب بالين كضاب وركاب سرجين وقيع ومساك دربين ضهيب. وبالنسبه للمثل الانجليزي East or west home is best. هنا يطرح الشعر العربي الكثير من التراجم السياقيه طالما كان المقصود هو حب الاوطان والوفاء لها والفخر بالإنتماء اليها، اذ لايمكن القول شرقا او غربا الوطن هو الافضل وهذا اقرب الى عربي جوبا، فهناك البيت القائل : كم منزل في الارض يألفه الفتي وحنينه ابدا لاول منزل والقائمة تطول.
فات علي أن اشير الى مثل فرنسي يعبر تماما عن معضلة اختلاف الحضارات وتباين الثقافات وكيفية التعامل مع هذا الواقع عند الترجمه الى العربيه. المثل الفرنسي الشائع هو:
”Apres la pluie le beau temps”
فالمثل الفرنسي يناقض في معناه الحرفي الثقافتين الدينية والبيئية العربيتين، فبقدر كره الاوروبيين للمطر وتوتر أمزجتهم أثاء هطوله يحجم المسلمون ويمتنعون عن نقده حتى اذا حمل معه قري ومدن بأكملها وحمل معه ممتلكات وبعض ارواح أهلها، فهي على الدوام أمطار خير وبركه، ولذلك وبدلاً من القول إن بعد المطر يصفو الجو يمكن القول- “إن بعد العسر يسرا”
لا زال هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن اختلاف الحضارات والثقافات واثرها علي الترجمه خاصة فيما يتعلق بالبعد البيئي.