*أمدرمان*.. *حضن الوطن وملاذ الذكريات.* *رحلة فى بحر الشجن والحنين* *محمد ضياء الدين*

 

الشوق إلى أمدرمان يأخذنا إلى عوالم من الذكرى والحنين، حيث تتمازج رائحة الأرض المبللة بالمطر مع أصوات الأذان من مآذنها العتيقة وصخب المدينة التي لا تهدأ . أمدرمان ليست مجرد مدينة، بل هي الأم والحضن، هي ملاذ لكل من فارقها بحثا عن أمان في مدن أخرى. كلما طال الغياب، ازداد الاشتياق، وكأن القلب عالق هناك بين أزقتها وحواريها، ينتظر العودة ولو بعد حين.

خرجنا منك ، يا أمدرمان، والحال لا يسر. تركنا الديار مكرهين، الحرب أكلت كل شيء، فلم يعد هنالك مكان نأمن فيه على أرواحنا وأرواح أحبتنا. كنا نظن أن الفراق مؤقت، لكن الأيام طالت، والمسافات بيننا وبينك تزداد يوما بعد يوم. كم اشتقنا لكل زاوية وكل شارع، لكل لحظة أمضيناها بين جدرانك. لقد كانت تلك اللحظات، وإن بدت بسيطة، أثمن من كل كنوز العالم.

أمدرمان يا حبا يسكن القلب، يا روحا لا تنفصل عنّا. أمدرمان يا دربا من الذكريات لا ينتهي. (أحن إليكِ وإن شط المزار بنا) ، فأنتِ التي علمتنا معنى الانتماء، معنى أن يكون للوطن نبض يعيش فينا رغم البعد والشتات.

مع أمدرمان، لم تطب لنا المدن الأخرى، مهما كانت جميلة ومزدهرة. باريس بجمالها، جنيف ببحيراتها، وحتى المدن التي يصفونها بالجنة، لم تقنعنا ولم تُطفئ نار الحنين. أنت فقط يا أمدرمان بكل ما هو فيك، بتحدياتك، بأزقتك الضيقة، وأسواقك القديمة، أحيائك العريقة، كل ذلك يحيي فينا عشقا أبديا . نعشق أرضك التي مشينا عليها حفاة ، نعشق ترابك الذي علق بأحذيتنا. (أحنّ إلى خبز أمي وقهوة أمي) ، وها نحن نشتاق إلى هوائك المشبع بروائح السوق العتيق وإلى سمائك التي كانت تظللنا بحب.

أمدرمان السودان، أمدرمان أمنا التي جمعتنا جميعا دون أن تسأل عن أصلنا أو قبيلتنا. أنت قبيلتنا يا أمدرمان هذا ما نعرفه ولا نعرف سواه .
أمدرمان التسامح،حيث تتجاور المساجد مع الكنائس، وتحتضن المسالمة المسلم والمسيحي في صورة نادرة من التعايش. هناك، حيث تمازجت الثقافات، اليهود والهنود والشوام والإغريق، الارمن ، كلهم عاشوا في أحضانك وصاروا أبناءك، أولاد أمدرمان (أولاد قلبها) . كل هذه الألوان والأعراق اجتمعت فيك، صهرتهم محبتك في بوتقة واحدة.

في أمدرمان، الرياضة فن، والفن حياة. امدر مدينة الفن والجمال، مدينة الطرب الأصيل الذي يصدح في لياليها. أمدر التي لا تغيب عنها روح الحماس والفرح حتى في أصعب الظروف. رغم كل ما مر بك، ظللت شامخة، تقاومين كل محاولات التدمير، وكلما انهار جزء منك، قمنا نبنيه من جديد حبا وشوقا وإحتراما ، لأنك أنتِ السودان، أنتِ القلب النابض بالحب والإحتواء .

حبيبتي أمدرمان، بقعة المهدى المباركة، نتأسف لك، أعذرينا دفعتنا الظروف لمغادرتك مكرهين ، لكن حتما تظل قلوبنا معلقة بك، ما حيينا، لن نستبدلك بمدن الدنيا كلها، أنتِ عندنا أجمل من كل مدن العالم. بناتك هنّ الأجمل، وابناؤك هم الأعظم.
سافرت روحي إليك والعيون ترقب لحن اللقاء، أغدا نلتقي ( يا ويح فؤادي من لقاء الغد) ، حتما سنطوى مسافات الفراق ، والشوق سيذوب في لحظة اللقاء المنتظرة.

حتماً سنعود، نعلم أنكِ في شوق لبناتك وأبنائك ولصخب الحياة فيك. . نعلم أنكِ تقفين في انتظارهم، على أجنحة الأمل والصبر، تفتحين ذراعيك لهم كما كنتِ دائماً . سنعود ونعمر ما تهدم، وستنهضين من جديد شامخة، تقاومين كل من أرادوا النيل منك. (أمدرمان يا فخرنا ويا ملاذنا) ، قريبا سنلتقي، وسينتهي هذا الشجن الذي أثقل قلوبنا.
أمدرمان : بعيدا عنك أضحت قلوبنا مكسورة، صرنا أغرابا وأيتاما ، وانت الأم فينا ولا بواكي. أعذرينا وإنتظرينا، أصمدى وشدى الحيل وتماسكى كما عهدناك، فمنك نستمد الصمود.
منك نستمد معنى أن نعيش وننتصر .
آاااه أمدرمان حبيبتنا.
(أيها الناس) أعملوا أن أمدرمان ليست مجرد مكان بل هي روح تسكننا، وقصة عشق لا تنتهي.

مقالات ذات صلة