معظم السودانيين الذين قدموا للعمل في الخليج أو دول الاغتراب الأخرى يأتوا إلى الغربة وهم يحملون عاداتنا الجميلة من كرم و مروءة وشهامة، ولكن سرعان ما تبدأ هذه الصفات الجميلة في التلاشي نتيجة ضغوط العمل وسرعة ايقاع الحياة وغيرها من المسببات.
وقد يختلف معي كثيرين عندما أقول أنني أجد لهم العذر فليس من رأي كمن سمع ولا يجد العذر لهم إلا من جاء ورأى بنفسه، فالمغتربين السودانيين عليهم ضغوط كثيرة، وليس كما يظن البعض أنهم يعيشون في رغد من العيش فإرتفاع مستوي المعيشة وتكاليفها أثر على الجميع في السعودية مثلا زادت ضريبة القيمة المضافة إلى 15% وارتفعت أسعار السلع والبنزين والكهرباء والايجارات وغيرها وكثير منهم يضطرون للعمل في أوقات إضافية او أكثر من عمل لمواجهة صعوبات الحياة فكيف لشخص يعمل في ثلاث دوامات أن يتفرغ ليتواصل أو يجامل أو يسال ؟؟
ثم جاءت الحرب و(كملت الناقصة) لتزيد الأعباء عليهم بسبب نزوح الأسر فقبل الحرب كان المغترب يساعد أسرته فقط وأحيانا خلال المناسبات الاجتماعية والحالات الطارئة لباقي العائلة لكن بعد الحرب اختلف الوضع فالاسرة الممتدة كلها اصبحت تحتاج الي الدعم وحقيقة المغتربين السودانيين لم يقصروا في هذا الجانب وهم فعلا السند الحقيقي لمعظم الشعب السوداني في هذه الفترة العصيبة .. جزاهم الله خير الجزاء .
سبب هذه الرمية كما يقول أستاذنا عبد اللطيف البوني أن نجد الأعذار لاصدقائنا واقرابائنا المغتربين فالكثير منا يأتي في زيارات ويريد التواصل مع أهله واصدقائه لكن قد تحول الظروف وقد (يتحسس) الضيف لذلك نقول أن التجاهل له أسبابه المنطقية غير المقصودة مع وجود حسن النية طيعا .
الصحفي الشاب أحمد دقش ابن شرق السودان الحبيب ابن القضارف الخضراء المعطاة الصحفي الهمام الذي لا تجده إلا مبتسما كسب علاقات واسعة وصداقات ومعارف إبان عمله في الصحافة في السودان خدوم ومجامل ومواصل يمتلك كل الصفات الجميلة بلا إستثناء وهذه الصفات لم تنقطع بعد أن انتقل للعمل في السعودية ضمن طاقم السفارة القطرية بالمملكة العربية السعودية، وهذا ما لمسته من حديث الأصدقاء عنه فهو مقصد للجميع في الرياض كما أنه مبادر لمعرفة أحوال الناس لا يتأخر في التواصل مع القادمين للمملكة والذين زادوا بنسبة كبيرة بعد الحرب ومساعدتهم وتفقد أحوالهم وتقديم المشورة والنصح.
أحد اصدقائي وهو (سنير) دقش في الجامعة سألني: لاقيت دقش قلت له لم التقي به حتي الآن لكن متواصلين بالرسائل، قال لي بفخر وعزة (دقش) ده من أول الناس الوقفوا معاي أول ما وصلت ارسلت له في الواتس أطلب منه مبلغا ماليا، توقعت ان يتجاهل الرسالة فنحن لم نلتقي منذ سنين طويله لكنه خيب ظني بالاتصال بي مباشرة بعد استلام الرسالة عبر الواتساب، ودعمني وقد كنت في أشد الحاجة وقتها بعد قدومي من السودان بسبب الحرب .
اما حديث الزملاء الصحفيين عن دقش ووقفته مع كل من قدم للسعودية لا يتوقف ولا نريد أن نقصم ظهر الرجل مما يدل علي معدنه الطيب و شهامة غير المحدودة، الصديق والزميل دقش الذي لم تغيره الغربة وايقاع حياتها الرتيب والمتعب والثقيل وظل ممسكا بأصالة وعراقة ابن البلد ونتمني أن يكون هناك الكثير من السودانيين الذين يمتلكون هذه الصفات في دول المهجر .
صديقي فارس الكناني الذي تتقمصه نظرية المؤامرة دائما هو من آخر الذين قدموا للاغتراب قبل الحرب بعام واحد يقول انه صدم من تعامل السودانيين السيئ مع بني جلدتهم يقول حتي السلام عندما يلتقيك أحد السودانيين في الطريق أو في كافي أو سوبر ماركت لا يسلم عليك، و كمان (يحمر) ليك عديل بلغة فارس (يتقرصن) عليك وهذه الظاهرة تستحق الوقوف عندها كثيرا فالسودانيين أصبحوا يتجنبون بعضهم وهذه الظاهرة ملاحظة في الدول التي يكثر بها السودانيين في مصر والسعودية والإمارات وغيرها فالبعض يقول انه تعرض للنصب من أبناء جلدتهم وغيرها من الاسباب التي قطعت المروءة وحبل التواصل بين السودانيين الذين كانوا يفاخرون بالعلاقة التي تجمعهم في دول المهجر والقصص الجميلة التي كانت تروي في هذا الشأن بلسان أخوة عرب كثيرة، ودونكم القصة الشهيرة التي تروي عن السوداني الذي أصيب في حادث ولم يكن معه أحد في المستشفى، وعندما كتب له الطبيب الروشتة قال له اعطها أي شخص سوداني في الخارج وهو سيقوم بالواجب وقد كان .
لكن المؤشرات الحالية تقول أن شهامة ومروءة السودانيين في طريقها إلى الزوال وكما عكست لنا الحرب اسوأ مافينا في الداخل عكست كذلك اسوأ ما فينا في الخارج لكن بالرغم من حالة التشاؤم والاحباط هذه يضيء لك نموذج في هذه العتمة يقول لك لسة في ناس كويسين زي (دقش) وبالتاكيد هناك الكثيرين من يسيرون علي خطاه في زحمة السلبية التي تحيط بنا فالحرب كشفت لنا ستار كان يغطي حقائق مخفية كنا نتوقع ونحلم أنها افضل قبل أن تتكشف لنا خيبة توقعاتنا .
لكننا بالرغم من ذلك لا نملك إلا أن نتفائل خيرا ونستصحب الحديث الشريف الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ونتمني أن تضع الحرب اوزارها ويعود السودان معافي من كل أدران الحرب وكل الصفات المجتمعية السيئة، وقطعا من لم تغيره الحرب إلى الأحسن سيكون هناك أسوأ منها لتغييره .