صمتٌ إقليميٌ حيال قطع العلاقات مع الإمارات..
(محــنة الســــودان).. الشعب العربي ويـــن؟!
تقرير_ محمد جمال قندول
لم يكن يتخيل السودانيون أن تكون تلك الأغنية الشهيرة لـ”جوليا بطرس” في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة (وين الملايين.. الشعب العربي وين)، هي التى تترجم حالهم في 2025.
ويوم الثلاثاء الماضي، أعلنت الحكومة السودانية رسميًا قطع العلاقات مع الإمارات والتصعيد معها بوصفها “دولة عدوان”، وذلك جراء دعمها للميليشيا المتمردة التي حاولت ابتلاع الدولة السودانية بتمويلٍ من أبوظبي.
الملفت كان عدم تعليق أي دولةٍ على خطوة السودان، بل وحتى عبر بيانٍ أو تعليقٍ وفاقي.
سيادة الدولة
ورغم أنّ الجيرة لها حقٌ في الدين والعرف، إلّا أنّ من بين 7 دول جارة لم نر التكاتف ودعم سيادة الدولة السودانية في أوقات الشدة إلّا من “القاهرة، وأسمرا”، والأولى احتضنت أعدادًا كبيرةً من السودانيين، وقدمت جهودًا لحل الأزمة، واستضافت أكثر من مرةٍ فرقاء المشهد السياسي، كما استقبلت رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة في خمس زياراتٍ.
وظلت قيادة أرض الكنانة تجاهر علانيةً بسيادة الدولة السودانية، وتعترف بشرعية القوات المسلحة وحكومة البرهان، بينما الثانية ظلت الأكثر يقينًا بضرورة الحفاظ على الدولة السودانية عبر دعم قيادة الدولة والقوات المسلحة.
وحينما تغنت “جوليا بطرس” برائعتها “وين وين وين الملاييين.. الشعب العربي وين” في ذلك الزمان، كان كنايةً عن صمتٍ شعبيٍ حيال قضية أمة العرب فلسطين، وانتهاكات الصهاينة، ليتكرر ذات المشهد بدعم أبوظبي لميليشيا متمردة على الدولة السودانية قتلت، ونهبت، وسلبت، واغتصبت الحرائر، وسفكت دماء الأبرياء، وهدمت المنشآت الخدمية والسيادية، وممتلكات الشعب السوداني الذي يتساءل بحيرةٍ شديدةٍ عن اسم مؤسسة “جامعة الدول العربية” التي تدين وتشجب فقط.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي قد كشف أمس في تصريحاتٍ للشرق الأوسط أن جهودًا لرأب الصدع بين السودان والإمارات لم تحالفها النجاح.
المبادرة الفاعلة
ولا يبدو أن أبوظبي ستقف عند هذا الحد، فهي التي ساهمت في خراب دول عربية كثيرة، تمضي غير مُكترثةٍ بالإدانات الخجولة، في سبيل أن مؤامرة أحبطتها قوات الشعب المسلحة وصمدت واستطاعت أن تحفظ البلاد وتمضي من انتصارٍ لانتصار مع قرب بشريات تحرير كامل البلاد.
ويعلق الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د. إبراهيم شقلاوي على معرض الطرح قائلًا: إنّ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات كما هو معلومٌ، يعكس تحوّلًا جوهريًا في موقف الدولة السودانية تجاه ما تعتبره تدخلاً سافرًا في شؤونها الداخلية، خاصة ما يتعلق بالدعم العسكري واللوجستي الذي تقول الحكومة السودانية إنّها تملك أدلةً مثبتةً حول ما تقدمه أبوظبي لميليشيا الدعم السريع المتورطة بانتهاكاتٍ واسعة ضد المدنيين بحسب تقارير محلية ودولية.
هذا الدعم بحسب مصادر رسمية وتقارير موثوقة، يُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة السودان، ومن هنا جاء الرد السوداني الحاد بقطع العلاقات، وتسمية الإمارات دولة “عدوان”.
ويواصل شقلاوي في إفادته ويرى أنّ صمت الدول الإقليمية والعربية والمجتمع الدولي، فيمكن تفسيره بعدة أبعاد منها: الحسابات السياسية والمصالح المتشابكة، حيث إنّ كثيرًا من الدول العربية خاصة الخليجية، تحاول الحفاظ على توازن في علاقاتها مع كل من الحكومة السودانية والإمارات، ما يجعلها تتجنب إصدار مواقف علنية قد تُفسر كانحياز يُفقدها بعض المصالح. وهنا يجب ألا ننسى مجلس التعاون الخليجي الذي يضع ذلك الاعتبار.
وتابع محدّثي أن ضعف الإرادة الجماعية في المنظومة العربية واحدة من الأسباب المهمة في البحث عن جوهر الصمت العربي، حيث لم تعد هناك جهة قادرة على المبادرة الفاعلة في أزمات من هذا النوع، كما نرى من أداء الجامعة العربية في قضية السودان وقضايا أخرى، وكذلك انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى، وعدم اعتبار السودان أولوية قصوى مقارنة بملفات مثل “أوكرانيا”، أو الشرق الأوسط “إيران، غزة، لبنان، سوريا”، مما يؤدي إلى غياب الضغط الدولي الجاد على الأطراف المتورطة في تغذية الحرب.
واختتم الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د. شقلاوي إفادته وأشار إلى ضرورة أن يقيم السودان علاقاته الإقليمية رغم تعقيدات المنطقة، كما يستوجب عليه تقدير علاقاته مع الجميع بمعيار المصالح المشتركة، والتي ربما توجب التحالفات في زمنٍ أصبح من الضروري أن تدرك أهمية تأثير الأوراق التي بيدك، وتحسن استخدامها لأجل حماية السيادة والأمن القومي، عطفًا على توظيف الموقع الجيوسياسي للسودان في خدمة مصالح البلد العليا.