القرار الذي أصدره والي الخرطوم قرار حكيم وتربوي ويمثل خطوة إستراتيجية نحو إستراتيجية بناء القيم السودانية. قرار فك الإختلاط لبنة اساسية في تشخيص وعلاج العلل الكبرى التي لها دور كبير في الإهتزاز القيمي الذي أدى إلى التدهور في المجالات الإجتماعية والوطنية بالسودان، خصوصاً قبل وبعد ما يعرف بثورة ديسمبر 2019م – يتوقع أن يصدر ولاة الولايات نفس القرار، من اجل إعادة الضبط القيمي للمجتمع السوداني- بالرغم أن مؤتمر التعليم عام 1992 وضع أسساً تربوية وقيمية بنيت عليها إستراتيجية التربية والتعليم السودانية، والتي لم تنفذ إلا أجزاء منها في فترة حكومة الإنقاذ السابقة. في عام 2006م كلفت وزيراً لوزارة التربية والتعليم بولاية الجزيرة – واسم الوزارة نفذ بتوجيهات الوالي عندها المرحوم سعادة الفريق اول ركن عبد الرحمن سر الختم، الذي رفض إزاحة لفظ التربية من اسم الوزارة حسب التوجيهات الإتحادية – يخالف اسم الوزارة الإتحادية المختصة التي تم تغيير اسمها لوزارة التعليم العام – واصبحت الوزارات الولاية تسمى باسم وزارة التعليم العام – وكان عندها قد تم فصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتشرف على التعليم الجامعي والمراكز التعليمية البحثية. لم يتم إنزال إستراتيجية التربية والتعليم إلى المستويات الولائية- وهي جزء من إلغاء المرحلة المتوسطة ودمجها مع المرحلة الابتدائية، وانشأت بذلك مرحلة الأساس، وانهت التعليم الفني في السودان ( التعليم الصناعي والزراعي)،وهو نظام طبق في بريطانيا في أربعينيات القرن الماضي وتم تغييره لفشله.
تفاجأت وأنا بالمكتب الوزاري بدخول وفد من إحدى قرى ريف المناقل يطلب بناء مدرسة خاصة للبنات بقريتهم، في حالة عدم بناء المدرسة، سيمنعون بناتهم من التعليم بعد الفصل الدراسي الثالث، سألت الوفد عن السبب، فقالوا:” لدينا بنت حملت وهي بالصف الثامن والمدرسة مختلطة، اتضح أنها وزميل لها تفاكروا في تطبيق عملية الحمل للأنثى المفصلة في منهج الصف الثامن لمرحلة الأساس بالخطوات التفصيلية – أي أن المنهج يحتوي على ثقافة جنسية ضمن منهج العلوم دون شرح تفاصيل الضوابط الشرعية، ومراعاة بيئة المدارس المختلطة، والتغيير الذي أحدثه السلم التعليمي الجديد، الذي ألغى المرحلة المتوسطة، بحيث يصل كثير من التلاميذ لمرحلة البلوغ في الفصل الدراسي السابع او الثامن خصوصاً المنحدريين من بيئات وضعها الغذائي جيد – ولعل من عجائب الصدف عند مروري على مراكز تصحيح امتحانات مرحلة الاساس- قبل شهر من حضور الوفد -سألت الأساتذة المصححين إن كان لديهم ملاحظة على الإمتحان أو طريقة وضع الأسئلة، ذكرت إحدى المعلمات وجود خلل في صياغة سؤال كان يشرح عملية كيفية حدوث الحمل -التي جرب تطبيقها الأطفال بمدرسة القرية، وأدت للكارثة – استغربت جدا لوجود مثل هذه الثقافة التربوية الجنسية التي تقدم إلى أبنائنا في هذه المرحلة العمرية الحرجة، دون حتى عمل تفسيرات وقائية تحول دون حدوث كوارث أخلاقية، تهز عصب المجتمع، الذي توجه مباشرة لإتهام معلم الصف، فإتخذت قرار وزاري بفك الإختلاط بولاية الجزيرة. ومن المشاكل التي تواجهة التعليم إحجام الذكور من التعيين في التعليم لقلة المرتبات، وكثير من مدارس الأولاد مزدحمة بالمعلمات، وبعضهن يصعب عليهن التحرك داخل الصف خصوصاً بالفصل الثامن مما يفاقم من ضعف التفاعل الصفي، كما تعاني المدارس من عدم وجود باحث إجتماعي مع أهميته في المراحل الثانوية.
التعليم هو أساس التقدم، إنه إستثمار في المستقبل . فهو يزودنا بالمعرفة والمهارات التي نحتاجها للحصول على وظيفة جيدة. التعليم هو مفتاح تطور الشعوب. مشاكل التعليم في السودان تحتاج إلى وقفات ومراجعة شاملة للمناهج والهياكل والنظم، والتي تفتقر للتعليم الفعال والإبتكار والإبداع، وهي مسؤولية مشتركة بين المركز والولايات والمجتمع. إعادة تشكيل سياسات الدولة التعليمية، مبحث تخصصي تتطلع به الخبرات التربوية الوطنية لتؤطر سياسات الدولة وتوجهاتها الفكرية وفق ثقافة البلد المستهدف وقيمه الحضارية والعقدية، وإنفاذ السياسات التعليمية يحتاج لدعم سياسي قوي لإتخاذ القرارات التي تعدل في السياسات التعليمية وفق الرؤى الفنية واستراتيجيات الدولة المعنية ومتوافقاً مع أهداف الألفية.
د.محمد عبد الكريم الهد