*حمى الضنك وحمى السياسة عينك في الفيل تطعن في ظله د. محمد عبد الكريم الهد*

بسم الله الرحمن الرحيم
حمى الضنك وحمى السياسة
عينك في الفيل تطعن في ظله
د. محمد عبد الكريم الهد
يكتب
السودان منبع الفكر والثقافة والجمال، يعاني من مجموعة إبتلاءات متعددة، حروب ودمار ونقص في الأموال والأنفس والثمرات ولا شك، تناقص في الأخلاق والقيم والمباديء وتنافس سياسيين على لعاعة الدنيا، ويأبى الله الإ أن يتخذ شهداء من مجاهدين نذروا انفسهم صونا للعرض والأرض بذلا للروح والمال والجهد. عظم الله الأجر.
بعد الأسبوع الأول للحرب ونحن نتسلل لواذا فرارا من ويلاتها وحفاظا على الأعراض والأنفس، نزحنا إلى قضروف سعد حيث الأهل والعشيرة ومرتع الصبا والأصدقاء قضارف الخير والبركة، بعد شهور هطل المطر لولوا من السماء ككل عام، و ظهر الباعوض الذي يسبب الملاريا -انثي الأنوفليس- وهو يألف ويؤلف وصديق قديم مصاحب كثير من الأحباب، ولكن فجاءة انتشرت حمى الضنك التي تسببها باعوضة الزاعجة المصرية- لم تكن موجودة قديما، ظهرت في مدينة الأبيض قبل بضع سنين ثم سمعنا بها قبل الحرب في كسلا، وبدأت تغزو القضارف وبعض المدن، المزعج في امرها ليس لها علاج معروف يقضي عليها عاجلا، غير ان بروتكول العلاج الخاص بها يتمثل بالبندول-سواء كان درب ام حبوب إبتداء، والفاقد للصفائح من المرضى ينقل له صفائح دموية- وشهدنا في امرها العجب مصاب بها حدثت له غرقنينة وآخر كان لديه كسر بعد شفاه الله قدمه قصرت وكثيرين توفاهم الله إلى رحمته في الزمان والمكان الذي كتبه منذ الأزل،فالمرض ما يقتل ولكنه الأجل لا يتأخر ولا يتقدم وما يروى كثير- ، قبل عامين شهدنا ايام عصيبة: في اليوم مئة وخمسون حالة وفاة واكثر واصبح حفر القبور بالبوكلن لأن الشباب- احباب الرسول- المتطوعين بحفر القبور لله، والآخرين عجزوا عن مواكبة كمية الجثث التي تحضر لمقابر اب جريد صباح ومساء، واستمرت هذه الجانحة لفترة من الزمن. تدافع ابناء القضارف بذلا للمال والجهد، وبادر شباب مبادرة تأهيل مستشفى القضارف الخيرية بإستيراد طلمبات الرش من المملكة العربية السعودية كأقرب مكان، وشراء الدواء والمبيدات الحشرية من سوق الله اكبر، تم التنسيق مع محلية القضارف وتضافرت الجهود بين الدولة والشباب الوطني الغيور- وتقدم شباب وكهول الأحياء إشرافا على العمل، وتمت عمليات الرش بالطلمبات من منزل لمنزل كانت معركة أخرى لله درهم. لا شك قبل عامين غاب الصحفيين الأكثر نفيرا وأعلى صوتاً مع وجود كثير منهم مستضاف بالقضارف، ولكن عندها كانت اصوات المدافع عالية والقوم في شغل عن مطبات السياسة، وبعضهم لم يكن له ريش فروجة، التحية لأهلنا في قضارف الخير.
تحررت الخرطوم، وظل واليها والصامدين رغم المآسي حماة للثغور، يتعايشون مع القذائف والنهب والسلب والمرض والجوع وفقد الأحبة، من لم يمت بالسيف مات بغيره. عاد كثير من أهل الديار تحدياً للظروف التي تمر بها البلاد- رغم دمار البنية التحتية وعدم وجود خدمات كما تتمنى النفس وتشتهي- هطلت الأمطار في وقتها، ومع تغير المناخ اصبحت كثيفة في الخرطوم، ظهرت امراض الخريف التي لم يعتدها كثيرون- الملاريا، حمى الضنك والتايفويد. بذل الوالي ووزارة الصحة الولاية الجهد، وتدخلت وزارة الصحة الإتحادية بكل ثقلها في الأمر لكبر حجم الكارثة على الأنفس في الخرطوم والمدن الأخرى تنسيقاً وتكاملاً للجهود وحشداً للهمم وتثقيفاً للعامة- والجهد الشعبي بالخرطوم قليل خصوصاً في الخرطوم يكاد لا يرى، فأغلب الخير منصب في الإطعام والكهرباء وتوصيل المياه- والرتق واسع. كتب كثير من الصحفيين عن المرض، ولكن طغت على كثيرين منهم حمي السياسة – وكل يوم يسقط في حمى السياسة من يحسب انه من كبار الصحفيين لكثرة كتابتهم او علو صوتهم بالحق وكثيرا بالباطل، اصابتهم حمى السياسة ولم يعجبهم العجب فخلطوا بين تقديم النصح وتصفية الحسابات السياسية، هداهم الله، فهلا إتعظنا من ماسي الحرب.
لا شك أن قحت وحكومتها قد عاثت في الأرض فسادا، أضرت بالعمل الإداري في الجهاز التنفيذي للدولة، ظلما لكثيرين وتلك احدى أثافي السياسة السودانية وسوءاتها ولم يسلم من ذلك كل من حكم وتجبر، وأخرين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. تحدث الفريق اول ركن ياسر العطا عضو المجلس السيادي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة عن الفساد والأفساد وتغلغل القحاتة في أجهزة الدولة الحساسة وأهمية كنسهم، ولم يحدث أي تغيير لكثير من من هم قحاته اوأشباههم، لم نرى هجوم من من يتصدر المشهد الآن في اروقة الصحافة يطالب بإزالة الفريق ياسر العطا لأنه لم يقم بإزالة القحاته،ومع إبتلاء البلاد بحمى الضنك والأوبئة الآن تفتح النار على وزير الصحة الأتحادي وفريقه من الكتيبة البيضاء التي قاتلت رغم شح الإمكانات وانعدامها، وهذا واجبهم لا شك في ذلك- تناسى هؤلاء الأخوة الصحفيين عندما تم تعيين احد القحاتة- د.المعز- لتولي منصب وزارة الصحة الإتحادية، كيف رفعوا اصواتهم إشادة بالوزير المكلف د. هيثم- الذي كانوا يطعنون فيه صباح مساء- فرفعوه إلى الثريا، انطقهم الله بالحق، بعد ان خوفهم بالقحاتي د.المعز. البلاد تتنهشها المؤامرات وتتكالب عليها الدول وتحتاج للناصح الأمين وليس صاحب الغرض، لنرتقي بالسياسة بأسس شرعية راسخة.
الدولة السودانية قائمة على دستور وقوانين ولوائح وأسس وسلطات تحكم العلاقات الأفقية والرأسية، الوزارات الإتحادية هي وزارات إشرافية تختص بوضع الخطط والبرامج الكلية والتدريب والتأهيل والعلاقات الخارجية، والوزارات الولائية هي وزارات تنفيذية سواء كانت وزارات خدمية او اقتصادية. الوزارات الإتحادية تقع تحت إشراف الوزير بسلطات يحددها مرسوم تعيينه، ويضمن مرسوم التعيين الإشراف على هيئات وشركات وإدارات كبرى لها صلة مباشرة بالوزارة المعنية، رأى واضع سياسات الدولة جعلها ذات خصوصية محدده واستقلالية- مديرها العام يعينه رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، حسب ما تفصله المراسم الرئاسية- مثلا في وزارة السياحة سابقاً كانت الوحدات خارج الوزارة التي يشرف عليها الوزير هي الهيئة العامة للآثار والمتاحف والإدارة العامة للحياة البرية، في وزارة الإتصالات وتقانة المعلومات يشرف الوزير على الهيئة العامة للإتصالات والمركز القومي للمعلومات والبريد والبرق، وزارة الصحة- صاحبة حمى الضنك- الهيئة العامة للإمدادات الطبية ، الإدارة العامة للدواء الدوار وأخريات ، وهكذا كل الوزارات. مدراء هذه الهيئات والإدارات العامة ليس لوكيل الوزارة سلطة عليهم بل يتبعون مباشرة للوزير- فالمدير صنو للوكيل -، والوزير المختص ليس له سلطة تعيين او تغيير مدير الهيئة او الإدارة العامة بل هي سلطة رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء ولعله منصوص عليه مشاورة الوزير المختص حال تعيين المديرالعام للهيئة – وغالباً ذلك لا يتم-، ولعبت صراعات مراكز القوى داخل حزب المؤتمر الوطني حول تقلد هذة الهيئات والإدارات إبان فترة حكم الإنقاذ أدواراً أخلت باستقلال العمل داخل الوزارات وأعاقت تطويره. هذا التبيان يبين لماذا احجم الفريق ياسر العطا عضو المجلس السيادي من فعل شيء تجاه ما يرى من ضرورة الإصلاح بإبعاد إشخاص بعينهم ، وكذلك يحجم د.هيثم وزير الصحة الإتحادي من فعل ما يتمناه أهل السياسة وحسابتها المستعجلة، ووزير الصحة د.هيثم تكنوطراط لا شاة له ولا جمل في السياسة إلا ما يمليه عليه الشرع والعلم والواجب والادب، فصانعوا السياسات متحكمون في الأمر ولهم تقديراتهم ومعلوماتهم وإحيطاطهم بمصلحة ومفسدة كل صغيرة وكبيرة ولكن كثير منا مستعجلون.
رفع الله الوباء وانزل الشفاء ،واصلح الله البلاد والعباد
د. محمد عبد الكريم الهدِ

مقالات ذات صلة