فى الآونة الأخيرة، ارتفعت أصوات نشاز تحمل فى طياتها نغمة عنصرية مقيتة، تحاول النيل من أهل الشمال فى السودان، وتسعى جاهدةً لتمزيق النسيج الاجتماعى المتماسك الذى ظل على مر التاريخ رمزًا للوحدة والتسامح والتعايش.
تلك الأصوات، وإن اختلفت فى لهجتها بين العلن والمبطن، إلا أن جوهرها واحد: التهديد والوعيد ومحاولة بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
لكن الحقيقة التى يبدو أن البعض يجهلها أو يتغافل عنها، هى أن أهل الشمال لم يكونوا يومًا دعاة حرب أو دعاة عنف، بل هم أهل سلامٍ ومدنية، عرفوا بحبهم الكبير للشعر والغناء، وبحسّهم الإنسانى الرفيع الذى صاغته الحياة على ضفاف النيل، حيث الزراعة والكدح والرزق الحلال.
هذه البيئة الفطرية الهادئة منحتهم رقة فى القول وذوقًا فى التعامل، لكنها لم تنزع عنهم الصلابة ولا الحزم ساعة المواقف.
فالتاريخ يشهد أن الشمال السودانى أنجب رجالًا ونساءً سطروا البطولات فى كل ميادين الوطن، ووقفوا فى وجه الظلم والاستعمار والطغيان، وكانوا دائمًا فى مقدمة الصفوف دفاعًا عن السودان أرضًا وشعبًا وكرامةً.
ونساؤه أيضًا عرفن بالشجاعة والإقدام والعطاء، فكنّ سندًا لأسرهن ومجتمعاتهن، ومصدرًا للقوة والحكمة فى أوقات المحن.
ولعل ما يجب أن يفهمه الجميع هو أن حق الدفاع عن النفس حقٌ أصيلٌ تكفله كل القوانين الوضعية، وتقرّه كل التشريعات السماوية قبلها.
فلا أحد يقبل أن يُهدَّد فى أرضه أو يُهان فى كرامته.
ومن هذا المنطلق، من الطبيعى أن يطالب أهل الشمال بحقهم المشروع فى حماية أنفسهم ومناطقهم من أى اعتداء أو تهديد، شريطة أن يتم ذلك وفقًا للقانون، وتحت راية الجيش السودانى الوطنى، الذى يظل المظلة الشرعية الوحيدة لحمل السلاح وصون التراب.
إننا نؤمن أن وحدة السودان لا تُبنى على التهديد أو التخويف، بل على العدالة والاحترام المتبادل.
فأهل الشمال، كغيرهم من أبناء الوطن، يرفضون العنصرية بكل أشكالها، ويؤمنون أن السودان لا ينهض إلا بتكاتف جميع مكوناته دون استعلاء أو تهميش.
لكنهم فى الوقت ذاته، لن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام أى محاولة للنيل من كرامتهم أو تهديد أمنهم.
فلتصمت الأصوات العنصرية، ولتعلم أن أهل الشمال ليسوا دعاة احتلال، بل حماة وطن، وأن النيل الذى يجرى بينهم، وإن كان وديعًا، فإن لأمواجه غضبًا إذا استفُزّت.
—
الخامس من أكتوبر ٢٠٢٥م