*مسافات… جدية عثمان بورتسودان 19 نوفمبر 2025*

عودة إلى السودان… رحلة محمّلة بالشوق والوجع..
بدأت الطائرة تشقّ طريقها فوق الأجواء الأوروبية الباردة، فيما كان داخلي يشتعل بمزيج مربك من المشاعر شوق عارم، خوف مكتوم ووجع قديم تجدد مع كل ميل يقترب بي من السودان. تختلف هذه العودة عن سابقاتها فقد حملت معي هذه المرّة حقيبة أثقل من أي أمتعة… حقيبة من الأسى على وطن مزّقته الحرب ومن الحنين الذي أصر على أن يبقى حيًا رغم كل الخراب و البعد
كلما اقتربت الطائرة من أرض السودان، كان قلبي يخفق أسرع كأنه يسبقني إلى الأرض التي اشتقت إليها حتى كاد الشوق يخنقني. لم أُخف رعشة يديّ حين أعلن القائد أننا على وشك الهبوط في مطار بورتسودان. لحظة الهبوط لم تكن مجرد لحظة تقنية في رحلة عادية بل كانت لحظة مواجهة… مواجهة بين ذاكرة وطن عرفناه جميلا اسمر الجبهة كالخمر المذاب وحقيقة وطن ينهشه الألم الأن
قبل أن تُفتح أبواب الطائرة شعرت بروحي تتمزق بين فرح العودة ومرارة الواقع. ومع ذلك وسط كل هذا الألم كان هناك يقين واحد لا يتغير السودان، رغم الحرب يستحق أن نعود. يستحق أن نتمسك به، وأن نحبه أكثر مما خذلناه وأكثر مما خذلته الظروف.
حين فُتِحت أبواب الطائرة، اندفع نحوي نسيم المدينة الدافئ لم يكن مجرد هواء… كان حضنا دفيء لسودان مختلف يشبه ثوبا قديما عرف رائحتك واحتفظ بها. لحظتها فهمتُ تمامًا لماذا لا تشبه عودة الوطن أي عودة أخرى.
رأيت الوجوه تنتظر، متعبة لكنها صامدة، مشتاقة رغم الجراح. في العيون لهفة ترحيب، وفي الخطوات حنين ثقيل. شعرت أن كل ذرة رمل تحت أقدامي تمد يدها وتقول “أخيرًا… رجعتِ”. لم أتمالك نفسي سالت دموعي بلا مقاومة. دموع شوق، ودموع حزن على ما وصل إليه بلدي، ودموع خوف على ما بقي منه.
كنت أريد أن أركض، أن أحتضن الأرض، أن أعتذر لها عن الغياب وعن العجز، وعن كل ما حدث لها ونحن بعيدون. كانت داخلي رغبة صادقة في تقديم التحية كما تُقدَّم لأمٍ وقفت طويلًا على الباب تنتظر أبناءها.
آه آه إنها عودة في زمن لا يشبه الزمن… لكنها عودة إلى الوطن، والوطن even منكسِر يظل أعظم من كل خوف وأدفأ من كل غربة.
مسافات… جدية عثمان
بورتسودان 19 نوفمبر 2025

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole