*ترامب و”الحل السريع“… لحظات انتبهوا قبل أن يُفرَض الحل على السودان!!مبارك أردول ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥م*

تشهد القارة والمنطقة والعالم لحظة انتقالية تتّجه فيها القوى الدولية إلى إغلاق ملفات الصراعات بسرعة(Quick Fix)، عبر مقاربات لا تقوم على التفاوض العميق ولا على معالجة الجذور (مافي زمن للكلام ده)، بل على فرض حلول مكتملة ومعلّبة تُعرَض كأنها الفرصة الأخيرة. ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى الواجهة الدولية وبعد إعلانه اول امس للتدخل، تبرز ملامح منهج سياسي يعتمد “الحل السريع” القائم على تقليص التعقيدات، وتجاوز الأطراف الأصيلة، وفرض واقع جديد دون انتظار التوافق، ودي في العلاقات الدولية بسموها عقيدة ترامب للسلام (Trump Peace Doctrine) .

تجارب هذا النهج ظهرت بوضوح في أوكرانيا، حين طرح خطته ذات ال(28 ) بنداً خارج الإرادة السياسية لكييف وأوروبا حلفائه، والتي وضعت زيلينسكي امام خياران فقدان حليفه او ارضه، تضمّنت نقاطاً أثارت دهشة المتابعين، من بينها: الاعتراف العملي بسيطرة روسيا على القرم ودونيتسك ولوغانسك، وتقليص حجم الجيش الأوكراني إلى حدود 600 ألف جندي، وإدراج نص دستوري يمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى منح موسكو مساراً للعودة إلى مجموعة الثماني وإلى النظام الدولي كشريك لا كطرف معتدٍ (المفهوم الشائع من قبل). وبذلك، بدا أن “الحل” المقدم يعيد ترسيم ميزان القوى، ويُلزم الطرف الأضعف، ويعطي الطرف الأقوى امتيازات مضافة، بينما تتولى واشنطن دور المملي وصاحب القرار.

وفي الشرق الأوسط، ظهرت ذات المقاربة عبر التدخل المباشر في قرار الحرب والسلم، حين أصدر ترامب توجيهاً في صفحته على منصة (التروث سوشيال ) للجيش الاسرائيلي بإيقاف الضربة العسكرية الإسرائيلية التي كانت متجهة ضد إيران لحظة تفعيل وقف إطلاق النار وإعادة الطائرات من الأجواء، دون الرجوع إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأمر الذي عكس نمطاً يتجاوز الحكومات ويضع القرار الاستراتيجي لدول قائمة بيده.

هذا النموذج ينبغي أن يكون جرس إنذار للسودان. فالبلاد تمتلك موقعاً حساساً وموارد وثقلاً جيوسياسياً يجعلها قابلة للاستيعاب داخل مقاربات “الحل السريع”، إذا ظلّ الانقسام والتلكؤ قائماً بين القوى المدنية والعسكرية. فإذا لم يُنتج ويتوافق السودانيون لوضع حلاً وطنياً بملكية محلية، فسيأتيهم حل جاهز — لا كتفاهم، بل كإلزام؛ لا كشراكة، بل كوصاية.

الحلول المفروضة عادةً تحمل تبعات طويلة المدى، من بينها: ترتيبات أمنية فوقية، إعادة تشكيل سياسي دون مشاركة كاملة، تقليص صلاحيات الأطراف المحلية، وإدخال البلد في منظومة إدارة خارجية للقرار الوطني. وحين يُفرَض مثل هذا المسار، تكون القدرة على التراجع أو التصحيح شبه معدومة.

لذلك، فإن اللحظة الراهنة تتطلّب إدراكاً استراتيجياً بأن البديل الخارجي جاهز، وأن الفراغ السياسي لن يبقى بلا من يملأه. والسؤال الحقيقي ليس: هل سيأتي حل من الخارج؟ بل: هل سيأتي والسودانيون أصحاب القرار… أم سيأتي وهم مجرد منفذين؟

إن الفارق بين الخيارين هو الفارق بين السيادة والوصاية، بين الإرادة الوطنية والضغط الدولي، بين مستقبل تختاره القوى السودانية ومصير يُملى عليها.

والوقت — كما تشير التجارب — لا يعمل لصالح المتباطئين، تَحركوا قبل ان تُحركوا.

مبارك أردول
٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole