*سودان الخلاء… دولة تُدار بالتصحيح وبشهادات التسنين هذا العبث لا يحدث إلا في السودان*

.
أن تخطئ السلطة في الداخل فذلك متوقَّع في بلد مثخن بالحروب لكن أن تُصدِّر ارتباكها إلى الخارج، وأن يتحول المنصب السيادي إلى مسرح للخلط والسهو والتدارك المتأخر، فهذه ليست هفوة… هذه فضيحة دولة كاملة
ما جرى لم يكن زلة لسان، ولا خطأ بروتوكوليًا بسيطًا، بل كشف فجّ لانفصال خطير بين الموقع والمسؤولية، بين الكرسي والعقل وبين الدولة ومن يمثلها.
وكانت النتيجة طبيعية في سياق التعيينات بشهادات التسنين لا بالكفاءة من لا يعرف أين يقف ولا من يحكم، يُجالس من تجاوزوا السبعين ومنهم من اقترب من التسعين وكلهم مصيرهم على الخمج… والوطن معهم على شفا الانهيار.
يبدو أن الدكتور كامل إدريس لا يحتاج فقط إلى إجازة قصيرة، بل إلى راحة طويلة
راحة للاستجمام، نعم، ولكن قبل ذلك لاستجماع تركيزه وربما ليقر بأن العمر السياسي قد فات وأن مقاعد القرار ليست مقاعد شرفية ولا محطات ختام مهني ولا نوادي اجتماعية.
في السودان لا يُسأل المسؤول ماذا تعرف؟ بل: كم عمرك؟
ولا يُختار من يستطيع حمل أثقال اللحظة، بل من أنهى مشواره ويريد خاتمة محترمة على حساب دولة تنزف.
الأكثر سريالية — والمضحك المبكي — هو مشهد محاولة وزير الإعلام تصحيح الوضع وكأننا في فصل دراسي لا في دولة
أن يخرج وزير ليُذكّر رئيس مجلس بأن رئيس السودان هو البرهان وليس السيسي فهذه ليست معالجة بل اعتراف رسمي بأن الدولة تُدار بالتنبيه بعد الخطأ، وأن السيادة تُستدرك بعد أن تُهان.
أي دولة هذه التي تحتاج إلى صحصحة؟
وأي مؤسسات تلك التي تُدار بذاكرة مثقوبة وتدارك الأخطاء ببيانات مرتبكة؟
حين يختلط على مسؤول رفيع اسم رئيس بلاده فالمشكلة لا تُحل باعتذار ولا بتبرير.
في السياسة الإشارة أخطر من الخطاب والخطأ في الخارج يُقرأ ألف مرة قبل أن يُغفر مرة واحدة.
وهنا لا بد من قول ما يُخشى قوله
هذا النسيان لم يكن بريئًا، كان نسيانًا انتقائيًا والانتقائية في السياسة اسمها الوحيد التواطؤ أو العجز، وكلاهما لا يصلحان لإدارة دولة في زمن حرب.
ومن لا يملك وضوحًا ذهنيًا في لحظة وطنية حاسمة لا يحق له الجلوس على كرسي القرار.
ومن يحتاج إلى من يذكّره من هو رئيس بلاده، لا يفهم معنى الدولة أصلًا.
ولهذا، يجب أن يغادر فورًا.
لا لأن الخطأ وقع — فالأخطاء تقع — بل لأن الإصرار على البقاء بعده جريمة سياسية وإهانة للعقل العام وتمديد لحالة الارتباك ورسالة للعالم بأن السودان يُدار بلا محاسبة.
الدول التي تحترم نفسها تُعيّن من يملك الطاقة والذاكرة الحاضرة وسرعة القرار.
أما نحن، فنُعيّن من يحتاج إلى من يمسك بيده ويقول له
أنت هنا… وهذا هو رئيسك… وهذه دولة لا دار رعاية.
الدولة لا تُدار بالالتفاف، ولا بالمناورة الرمادية، ولا بتدارك الإحراج عبر العلاقات العامة.
الدولة تُدار بالحسم، وبمسؤولين يعرفون ماذا يقولون ومتى يقولون ولمن يقولون.
أما دولة تُقاد بعقلٍ شارد وتُدار بشهادات التسنين وتُصحّح سيادتها بعد الفضيحة فهي دولة تسير بثبات نحو الهاوية مهما حسنت النوايا.
سودان الخلاء… قيادة بلا بوصلة
خليك من كامل إدريس البرهان، كباشي والعطا… على قول الفلاتية: الكاشف زاتو ما بعرف يقرأ
هؤلاء ليسوا مجرد مسؤولين بل نسخة سودانية من ارتباك الدولة في أشد صوره
ضاربين شهادات ميلاد لا يعرفوا الفرق بين العمر والمسؤولية سايقين البلد بالخلاء مرة زهايمر مرة عنترية مرة ما عارفين سايقين وين، ومرة سايقنها بعقل مناسب كأن السودان لعبة تُدار بلا عقل.
الوضع أصبح سرياليًا دولة تُدار بعشوائية والقرارات تأتي كما لو أن القيادة تمارس لعبة تخمين مستمرة
كل موقف جديد عبارة عن نسخة متكررة من ارتباك قديم وكل تدخل خارجي يُقرأ على أنه دليل على غياب البوصلة الوطنية
عمر المسؤولين غرورهم واختلافهم وارتباكهم يجعل من أي يوم عادي في السودان اليدراما سياسية متواصلة
الوطن يتخبط، والشعب يراقب، والقيادة… تضحك على نفسها قبل أن تُضحك على الجميع.
عمر المسؤولين ليس عذرًا بل اختبار صارخ لقدرتهم على خدمة الوطن أو على إطالة الكارثة
والسودان المنهك أصلاً لا يحتمل قيادة تعتمد على التقاعد الذهني والجسدي وعلى الخروج عن الوعي أثناء الأزمات.
حين تُدار الدولة بهذا الشكل يصبح كل تأجيل وكل نسيان وكل ارتباك، ليس خطأ فرديًا، بل إهانة جماعية للوطن
والسؤال البسيط الذي يفرض نفسه: هل هذا الوطن يستحق قيادة عاجزة أم يستحق أن يُدار من قبل من يعرف أن العمر مجرد رقم وأن المسؤولية لا تُعرَف بالسنين بل بالجرأة والفعل؟
الوطن لا يُدار على كرسي شيخوخة…
الوطن يُدار بالعقل بالحزم وبالقدرة على مواجهة اللحظة.
أما الحل النهائي لهذه الجوقة العبثية فهو إنشاء وزارة بأ سمها الصحيح وزارة الأخطاء وزارة تغسل الفشل بالفشل وتجمع كل ارتباكات المسؤولين في قاعة واحدة لتخرج علينا كل صباح بتقارير رسمية عن إخفاقات رسمية بينما الشعب يشاهد ويصمت ويستمر العبث بلا محاسبة ولا ضمير ولا بوصلة هذه الوزارة ستكون شاهدة على كل فضيحة مستندة على كل خطأ ومرآة لكل عجزلتصبح الدولة كلها مسخرة رسمية واحدة وكل يوم يمر يؤكد أن إدارة السودان أصبحت فنًا سودانيًا متقنًا… فن غسل الفشل بالفشل.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole