*عام على حرب الكرامة .. وثلاث منح..راشد تاج السر عمر الأمين العام لحركة الإصلاح الآن ٢٠٢٤/٤/١٥*

عام على حرب الكرامة .. وثلاث منح

١٥ أبريل ٢٠٢٤ أكملت الحرب في السودان عامها الأول، حربٌ لم تكن كسائر الحروب التي شهدها السودان في تاريخه الطويل المزدحم بالصراعات السياسية والقبلية، وفوق ذلك الاصابع الأجنبية التي ظلت تستثمر في اختلافات السودانيين، وتمسك بخيوط ازماتهم، وتوظفها لمصلحتها، وتُعمل أدواتها في نخر البناء الوطني المتصدع أصلاً، وكل ذلك من أجل ايجاد موطئ قدم في هذه البلاد المكتنزة بالثروات، ولايدرك أهلها قيمتها الحقيقية، ولكن يدركها الآخرون الباحثون عن مصالحهم.

عام مر على هذه الحرب التي أسماها الشعب حرب الكرامة .. حربٌ أصابت عصب الدولة ومركز سلطتها الخرطوم، والتي كان مقدراً لها أن تسقط في ظرف ساعات معدودة تحت بطش الجنجويد بترسانتهم العسكرية المهولة، وعشرات الآلاف من جندهم الأشداء، واحكام سيطرتهم الكاملة على مؤسسات الدولة السيادية، ومرافق الحكومة الهامة، ونقاط الحركة الرئيسية في كل شوارع العاصمة وجسورها، ولكن ورغم كل هذا الإعداد المحكم، والمكر الكُبّار، كانت مشيئة الله الغالبة، وعزم الجيش الجبار، وارادة الشعب أقوى من كيدهم ومكرهم.

خلال هذا العام تجلت منح كثيرة خرجت من رماد هذه المحنة .. هذه المنح التي أبانت لنا حقائق، وكشفت لنا خبايا ربما كانت قد استغرقت سنوات طوال ليتمكن الشعب من فك طلاسمها وادراك كنه حقيقتها، ان كانت على مستوانا الأسري وترابطنا، وان كانت على مستوى التكافل المجتمعي، وامتحان القيم والسلوك الذي وضعتنا فيه، وان كانت على مستوى القوى السياسية وأهليتها، وإن كانت على مستوى مكونات البناء الاجتماعي المختلفة وأدوارها الوظيفية، وان كانت على مستوى مؤسسات الدولة وقدراتها المهنية، وان كانت على مستوى علاقاتنا مع الخارج .. وغير ذلك الكثير الذي بان فيه الجميل وكذلك القبيح …

ثم العبور من بعد ذلك كله لواقع جديد ينتظر هذه البلاد .. فكما قلت كثيرةٌ هي منح معركة الكرامة، ولو عملت على رصدها لما كفتني سلسلة مقالات لحصر هذا الفيض من العطايا الربانية التي تجلت للسودان وأهله من وراء هذه الحرب .. رغم مافيها من ألم وقسوة ودموع .. ولكني أقف فقط على ثلاث منح كبيرة تحققت خلال هذا العام من الحرب :

أولا: خلال هذا العام من الحرب تم تفكيك وتدمير الكتلة الصلبة لقوات الدعم السريع .. أكبر مهدد لبقاء كيان الدولة السودانية منذ تأسيسها .. هذه القوات التي كادت أن تبتلع الدولة بأكملها .. وتغولت على كافة القوات النظامية الأخرى في مهامها واختصاصاتها .. وحتى مؤسسات الدولة المدنية الأخرى خاصة في مرحلة الفترة الانتقالية التي شهد فيها السودان قمة الضعف والانهيار .. هذه القوة الاسطورية المنظمة بجندها الذين وصلوا في بعض الاحصاءات الى اكثر من مائة وستون الف مقاتل .. وعتادها الذي تجاوز عشرات الآلاف من السيارات القتالية المجهزة والاليات المدرعة .. ومقراتها المنتشرة في طول البلاد وعرضها .. واموال الحرام التي تُشترى بها الذمم وتُستمال بها القلوب ..
كل هذا تحوّل في أشهر معدودات إلى نقيضه .. فالجند الأشداء تحولوا لمجرد عصابات من المرتزقة الأجانب والنهّابين والكسّابة وصبية الفزع الباحثين عن الغنيمة .. فعادوا الى سابق عهدهم وحقيقة أصلهم قطعان من الجنجويد ..

استبدلوا معسكراتهم الحصينة بغرف نوم المواطنين، وعنابر المستشفيات وداخليات الطالبات .. ومتحركاتهم القتالية المدرعة بسيارات المواطنين وركشاتهم وحافلات المواصلات .. وأصبحت مواردهم المالية هي حلي النساء ومدخرات المواطنين التي نهبوها من البيوت، ومن كل البنوك التي سطوا عليها .. وفوق كل ذلك سقطت راياتهم المخروقة التي رفعوها دثاراً كقميص يوسف يبررون بها شنهم لهذه الحرب الشعواء تحت شعارات استرداد الديمقراطية، ومقاومة سطوة دولة ٥٦ ، ومحاربة فلول الكيزان وغيرها .. وما تبقى من هذه المليشيا مقارنة بما كانت عليه في ١٥ أبريل الماضي، لن يكون أمراً ذا بال تحت قوة ضربات متحركات الجيش والقوات المساندة التي تحركت في كافة مسارح العمليات، لاسترداد الحق وصون كرامة الأمة .. فلولا حرب الكرامة لكان هؤلاء الجنجويد سيظلون نصلاً مغروزاً في خاصرة البلاد لن تستطيع منه فكاكاً.

ثانيا: خلال هذا العام من الحرب سقط القناع الذي كانت تتخفى به قوى (قحت سابقا) (تقدم حاليا) والتي لعبت على كل المتناقضات من أجل أن تظل متربعة على عرش السلطة، هذه السلطة التي كان مهرها دماء مئات الشهداء من الشابات والشباب الذين سقطوا تحت ضربات وسياط ورصاص ذات الجنجويد الذين تحالفت معهم قحت الآن .. ثم تنكرت لدماء الشهداء .. وعطلت لجنة التحقيق المعنية بمعرفة من قتلهم، ورد الحقوق إلى أهلهم .. تناست كل ذلك من أجل أن تتحالف مع الجنجويد وتجعل منهم حصان طروادة آخر تدخل به إلى باحة القصر وكراسي الوزارات.

فكانت أكبر منح هذه الحرب أن ازالة الغشاوة عن عيون كثير من المغيبين الذين كانوا يرون في قحت مثالا للقوى السياسية الوطنية التي سترفع عنا المعاناة، والفقر، والمرض، وتنهض بالبلاد الى مصاف الدول التي نحلم .. والآن استبان لهم حقيقة هذه العصابة المأجورة، التي رهنت قرارها وارادتها لمن يعيدها إلى كرسي السلطة ولو كان الثمن أشلاء شعبنا، وشرف حرائرنا، وأرواح عزيزة تُقطف كل يوم ..

ثالثا: خلال هذا العام من الحرب تمايزت الصفوف .. وتجمّرت في أتونها معادن الرجال .. واصبح الناس بين فُسطاطين لاثالث لهما .. حقٌ وباطل .. وخرج أبناء هذه الأرض الصادقين الأخيار .. من القوى السياسية، والمكونات الاجتماعية، وحركات الكفاح المسلح، وأفراد الشعب عامة … تدافعوا زرافات ووحدانا .. يلتزمون جانب جيش البلاد، ويسلمون أنفسهم طواعية الى قيادات الفرق ووحدات الجيش .. ويقفون الموقف الصحيح من التاريخ والذي يمليه الدين والوطنية والأخلاق والمروءة والشرف ..

هذه الفئة التي قدمت أغلى ماعندها، النفس وفلذات الاكباد وكرائم ماتملك، وانتظمت في صفوف الدفاع عن الأرض والعرض .. هي كذلك إحدى المنح الكبرى التي قدمتها لنا معركة الكرامة .. لتأكد لنا أن هذا الشعب مهما ادلهمت به الخطوب، وتناوشته عاديات الزمن، سيظل هو هذا الشعب السوداني العظيم، الذي انتفض مارداً جباراً في وجه هذا العدوان، وأهدى لنا أجمل من انجبهم .. جندي المظلات عثمان مكاوي .. والفتى الفقيه الحافظ محمد الفضل .. وبطل المدرعات اللواء أيوب عبدالقادر .. وزينة نساء السودان المقدم نهاد محجوب .. واخوتهم واخواتهم الشهداء، الذين اهداهم لنا هذا الشعب السوداني العظيم قرباناً لعزة البلاد، وكرامتها، وسلامة أهلها.

هذه الحرب بكل تداعياتها القاسية أوجدت تأسيساً مختلفاً لواقع جديد، يجب أن يتشكل عليه حال البلاد في المرحلة المقبلة، ونحن على أبواب النصر، يجب أن يكون السودان القادم غير السودان الذي خرج من هذه الحرب.

نصر من الله وفتح قريب

راشد تاج السر عمر
الأمين العام لحركة الإصلاح الآن
٢٠٢٤/٤/١٥

مقالات ذات صلة