جدلية التهميش فى السودان
بين الجلابة والدارفوريين
شيخ الدين مختار
٢٣/٤/٢٠٢٤
١
ما هو مفهوم التهميش؟
التعريف: التهميش هو حالة وعملية تمنع الأفراد والجماعات من المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحياة السياسية التي يتمتع بها المجتمع الأوسع.
المصدر:
الإسكوا- الترجمة الصادرة عن WFTO
لا أريد افتعال معركة مع إخواننا فى دارفور ، بقدر ما أصبو إلى تثبيت حقائق تاريخية معاصرة ، نستجلى من خلالها بعض الفوارق بين الجلابة ( ناس الشمالية )وبين الدارفوريين ! كما أود أن ألفت النظر إلى الواقع السياسى ومشاركة الدارفوريين والجلابة فى دولة ٥٦ ( المصطلح الجديد للسودان لدى الدارفوريين) !!
أنا من مواليد ١٩٤٩م دخلت المدرسة الأولية عام١٩٥٧م ، وبدخلولنا فى المدرسة الوسطى تفتحت عيناي على إنشاء رابطة للطلاب فى قريتى يتقدمهم طالب واحد فى الصف الأول فى المرحلة الثانوية ، وعدد لا يتجاوز العشرين بين طلبة الوسطى ورابعة أولية …
هذا الوضع التعليمى أعلاه يكاد أن يكون عامًا فى جميع قرى الولاية الشمالية ، فقد كان عدد المدارس الوسطى على مستوى مجلس بلدية واحدة فقط ، يتنافس على مقاعدها الأربعين أكثر من ٣٦٠ تلميذ موزعين فى أكثر من خمسين قرية …
منذ مطلع العشرينيات عرف الجلابة الهجرة إلى مصر ، ودفعهم الإغتراب إلى التفكير لخلق عقل ( جمعى) فكانت فكرة تكوين الجمعيات الخيرية ، والتى انطلق منها تمدين الريف ، فكانت المشاريع الزراعية التعاونية بطلمبات الديزل لتحل محل السواقى ( مفردها الساقية ) ،
لاحظ أخى الدارفورى وأختى الدارفورية هذا ، قبل دولة ٥٦ !!!
وهذا بعرق جبين الجلابة وحر مالهم ؛ لماذا ؟ بفضل العقل الجمعى الذى لا يفكر فى ( الأنا) ولكنه يفكر فى ( نحن) ..
وتسارعت خطوات التمدين بفضل إنشاء الروابط الطلابية التى كانت قريبة مع إستقلال السودان الذى أعلنه السيد عبدالرحمن دبكة من جنوب دارفور عد الغنم سابقًا وعد الفرسان حاليًا من داخل البرلمان قائلًا « يسرني أن أتقدم بهذا الاقتراح العظيم في هذه اللحظة التاريخية الخالدة بعد أن اجتمعت كلمة الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل والسيادة للسودان ممثلاً في التقاء السيدين الجليلين وتأييدهما الذي تم بعون الله ولمرضاته ومصلحة البلاد العليا وفي اجتماع كلمة الأحزاب والهيئات السودانية عند هذه الغاية الوطنية الكريمة وفي هذا الإجماع الرائع الشامل لجميع أعضاء البرلمان ممثلاً في هذا المجلس الموقر على إعلان استقلال السودان من هذا المنبر الشريف. )وثنى الاقتراح السيد مشار جمعة سهل من دار حامد …
هذه الروابط أشعلت الحماس فى الجلابة وازكت فيهم روح المنافسة ورفعت الوعي لمغالبة متطلبات الحياة ،
فكانت الشفخانة فى المجال العلاجى على مستوى المجلس المحلى ، ثم لتُرفّعَ إلى مستوى المستشفى الريفى وبعد سنوات تُرفّعَ لمستوى مستشفى ! مشاركة بين المواطنين ودولة ٥٦ …
وكلما نجحت قرية فى إحراز هدف فى التعليم أو الصحة كان هذا النجاح محفزًا قويًا للقرى الأخرى ، فانتشرت المدارس ونقاط الغيار بالعون الذاتى فى قرى الشمالية قاطبة مع إعلان نظام السلم التعليمى فى بداية السبعينيات ،
أحيلكم إلى بعض تواريخ بعض المدارس الثانوية :
@مدرسة خورطقت الثانوية
افتتحت رسميا في 28 يناير 1951 كمدرسة قومية، يقبل بها المتفوقون في امتحانات الشهادة السودانية من جميع أنحاء السودان، مثل رصيفتيها وادي سيدنا وحنتوب …
@تأسست مدرسة عطبرة الثانوية عام 1954م…
@ مدرسة دنقلا الثانوية النموذجية بنين تأسست عام 1963 بمدينة دنقلا حاضرة الولاية الشمالية …
لاحظ معى تواريخ إفتتاح هذه المدارس وأين هي !!! وبعد دا مهمشين ! ومهمشهم الجلابة !!!!
فى هذه الفترة التى يعمل فيها الجلابة من أجل قراهم وأهلهم ،كانت دارفور تعيش على ذكريات تاريخ المماليك والسلطان على دينار وكسوة الكعبة المشرفة ، وتعظيم المركز الإجتماعى للرجل بتعدد الزوجات ، وتعزيز المركز الإقتصادى للرجل الذى لا عمل له البتة فينتظر الإيراد اليومى من زوجاته وأطفاله !!!
هذه الحالة ( الفردانية) أفرزت ( الأنا ) الأنانية ، والحقد والكراهية ، خلقت الروح الشريرة التى دفعتهم الى السلب والنهب والسرقة والإحتكاك والقتل فلم تردعهم قوانين إداراتهم الأهلية ! بل عجزت هذه الإدارات عن الوفاء بالديات فتوجهت إلى الحكومات تبتزها مرة بعد أخرى ، حتى أصبحت الحالة الدارفورية هاجسًا مؤرقًا للسلطة فى المركز منذ أيام حكومات السيد الصادق المهدى !!! مقابل التفكير الجمعى عند الجلابة الذين انصرفوا لتعمير قراهم ومدنهم على حسابهم الخاص وهم الذين فتح الله بصيرتهم للسعي فى أرض الله الواسعة فكان توجههم من مصر إلى دول البترول وأمريكا والغرب عمومًا ، ورغمًا من مرارات الغربة( فالغربة تربة كما يقول المصريون ) فإنهم آثروا التضحية مقابل خدمة أهلهم وبلدهم ، فكتب الله لهم النجاح ، بتماسك أهلهم على طول الشمالية وعرضها فلم تصرفهم حمية القبلية ولا الإثنية ولا الجهوية عن النظر الكلى للشمالية ، فكما تعلمون فإن الجلابة يعيشون فى سلام ووئام يُحسدون عليها وهذا وحده يكفيهم فخرًا أن يرفعوا صوتهم فى وجه المتباكين بالتهميش لمراجعة مسارات حياتهم فيخرجوا من دائرة (الأنا)الضيقة إلى رحاب (نحن) …