تمر اليوم الذكرى الخامسة والخمسين لإعلان التاسع من يونيو الذي صدر من مجلس انقلابي 25 مايو 1969. وهو أول وثيقة تصدر من الدولة غادرت مفهوم البوتقة في تكوين الأمة إلى الحفاوة بالخلاف فيها. فكان خيال حركة الخريجين منذ الثلاثينات أن الأمة بوتقة الغالب فيها العربية والإسلام وستأتي الأقوام إليها من غير العرب ومن غير المسلمين ليخرجوا من مصهر الأمة عرباً مسلمين أسوياء. وكان هذا الفهم، وما يزال، من وراء تصدع بلدنا وحروبها الأهلية المكلفة. والقومية السودانية، التي قصرتها حركة الخريجين وممثلوها في الحكم الوطني على مفردتي العربية والإسلام، ليست نشازاً. فليست من حركة قومية غلبت فيها جماعة بثقافة ما حتى جعلت من ثقافتها المصهر الذي تذوب فيه كل قومية في الأمة بغير اعتبار لشخصيتها القومية وحقوقها. ومن أسف أدى الجهل بتعريف الحركة القومية عند صفوتنا خلال جدل الهوية إلى ظن السوء بالثقافة العربية الإسلامية واتهامها، دون سائر الثقافات، بأنها نزّاعة للسيطرة.
أنهى إعلان 9 يونيو بضربة واحدة المفهوم التأسيسي للدولة السودانية الذي جعل للأمة ديناً ولغة لا تقبلان القسمة. وأسس لمفهوم قيام الدولة-الأمة على التنزل عند الخلاف، واعتبار مقتضاه في بناء أمة مطمئنة سالمة من شرور الفتن والبغضاء. وصرنا نتداول المفهوم منذ حين ك”الوحدة في التنوع”. وربما لم نحقق به طمأنينة الأمة بعد. ولكن، متى حصلنا عليها، سنذكر إعلان 9 يونيو 1969 والجيل الشيوعي الذي رعرعه منذ الخمسينات بالخير. وسنذكر جو (جوزيف قرنق) الذي صاغه في أعيادنا . . . نذكره.
جو