من القضايا الإيجابية التي بدأ بها الحزب الشيوعي السوداني نشاطه بعد غياب أستمر قرابة 15 شهرا عن الساحة، إصدار جريدة الميدان عدة مرات في الإسبوع، و كل عدد يحمل تلخيصا لندوة أقامها الحزب الشيوعي في مناطق متفرقة في الكرة الأرضية، و الندوة تحاول أن تقدم رؤية الحزب في عدة موضوعات ” الحرب – الاقتصاد – التحالفات السياسية – الصراع الاجتماعي – و غيرها من الموضوعات” و هي محاولة جيدة أن تفتح منافذ للحوار و أيضا تقدم عناوين للجدل السياسي و الفكري.. لكن الملاحظ أن الحزب مايزال يطرح ذات الموضوعات بالكيفية التي كان يطرحها منذ إن كان موقفه من حكومة حمدوك مرورا بنقد الوثيقة الدستورية و التحالف مع اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ إلي جانب رفضه التعامل مع المؤسسات المالية العالمية ” الإمبريالية” و يرجع للتاريخ إدانة للطائفية و تحالفاتها و غيرها من القضايا، لماذا الإغراق في الماضي دون المستقبل و كيفية الخروج من مأزق الحرب؟..
كان يكون مجديا للحوار؛ إذا كان التفكير متعلقا بكيفية الخروج من الحرب الدائرة، و كيفية تأسيس دولة ديمقراطية، من خلال القناعة بإن هذه الدولة لا تؤسس بتصورات حزب لوحده، أنما من خلال حوار جامع لكل التيارات السياسية في البلاد، و كل تيار يؤكد على قناعة أن الحوار لكي يصل إلي نتائج مقنعة للجميع لابد من تقديم تنازلات بهدف تأسيس الدولة و نظامها السياسي، و محاولة فرض الأراء على الآخرين، و عمليات الإقصاء، هي التي تعقد الأزمة أكثر ثم بعد التعقيد ترجع لكي تقدم تنازلات تكون بعد ذلك غير مفيدة، و هي الإشكاليات التي تأتي بالانقلابات و الحروب.. و كان المتوقع أن يتحدث الزملاء لماذا عجزت الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي الاستفادة من التجارب السابقة، و لماذا يصر حزبا على فرض رؤيته على الآخرين عند محاولات التأسيس. أليس الوصول للنتائج عبر الرضى أفضل؟ ..
القضية الأخرى الملاحظة في ندوات الزملاء و المنقولة؛ أنهم دائما يحملون الآخرين الأخطاء و يحاولون تبرئة أنفسهم، إذا كان حاضرا أو عندما يرجعون بالطواف على التاريخ، رغم أن الأخطاء التي أرتكبها الحزب الشيوعي كان قاتلة في ثلاث قضايا ” التعليم و قانون العمل النقابي – و الاقتصاد” و هي التي يكثر فيها الزملاء الحديث نرجع للتاريخ:-
أولا – التعليم: في عام 1970م و الحزب الشيوعي كان مشاركا في حكومة جعفر نميري، قدم البروفيسور فاروق محمد إبراهيم عضو اللجنة المركزية للحزب ” هذا كان قبل مؤتمر الجريف” ورقة للحزب تحمل تصوره لتغيير التعليم العام في السودان ” من الإبتدائي إلي الثانوي العالي” و بروف فاروق موجود الآن بالقاهرة يمكن أن يسأل.. أجاز الحزب التصور و طلب من البروف فاروق تسليمه للدكتورة سعاد إبراهيم أحمد التي كانت رئيسة لجنة التعليم التي كونت بعد الانقلاب و قدمت الدكتورة سعاد تصور البرف لمؤتمر التعليم الذي أجاز التصور، ثم قدم لوزير التعليم الدكتور محي الدين صابر الذي طبقه.. سألت الدكتور محي الدين صابر في القاهرة عن ذلك أكده و قال كان التصور مقنعا، كان الاعتراض على تغير طفيف في المناهج، أيضا سألت البروف فاروق في القاهرة أكده لكنه قال أن التطبيق لم يكون صحيحا كما أجازه المؤتمر..( أوردت هذه ليعلم الكل أن الأيديولوجيين يتشاكسوا في التعليم و الضحية الشعب)
ثانيا – كان فاروق أبو عيسى وزيرا للعمل في ذات الحكومة، و في عهده تم تغيير لقانون العمل النقابي و بموجب هذا القانون أصبحت النقابات تابعة في المستقبل للإتحاد الاشتراكي السوداني، و كان هذا أول تسيس يدخل على قانون العمل و يجعله تحت سلطة سياسية و يفقده حريته..
ثالثا – في العيد الأول لانقلاب مايو 1971م ؛ و في احتفال جماهيري تمت التعبئة و الحشد إليه من قبل الزملاء، و كان بحضور الرئيس المصري جمال عبد الناصر.. تمت أكبر ضربة للاقتصاد السوداني لم يتعاف عنها حتى اليوم، حينما تمت مصادرة العديد من الشركات الأجنبية، و تأميم العديد من البنوك، و تم التضييق على المستثمرين الأجانب، و هي القرارات التي أثرت سلبا على الاقتصاد السوداني، و كلها جاءت تحت شعارات ضد ” الإمبريالية و غيرها” و هناك مأخذ عديدة على الزملاء إذا رجعنا للتاريخ..
لماذا الغرق في التاريخ و نبشه من أجل تجريم الآخرين فقط دون نقدا لأخطائكم. هل يستطيع الزملاء أن يجعلوا الحرب فاصلا بين عهدين و يفكروا من أجل المستقبل، أم عقل الزملاء قد تحنط مع العهد الاستاليني و عجزوا عن مغادرته. قال الزميل بشرى الفكي في معرض حديثه ( أن التغيير الجذري يفكك بنية الانقلابات العسكرية في السياسة و يبني و يرسخ لسلطة الشعب و خياره الديمقراطي و طموحه في بناء الدولة السودانية التي تقوم على أسس الحرية و السلام و العدالة و يعمل قطيعة مع بنية التخلف الاقتصادية و التبعية للخارج) السؤال كيف يتم إنجاز كل هذه الأشياء؟ إذا كان الرجوع مرة أخرى إلي أحمد سليمان و عمر مصطفي المكي و رهانهم على “الديمقراطيون الثوريون” الذين نفذوا انقلاب 25 مايو 1969م تصبح هذه العقدة التي لم يستطيع الحزب الشيوعي تجاوزها .. أما إذا كان من خلال العمل الديمقراطي و طرحه للجماهير.. يجب على الزملاء التفكير مع الآخرين للوصول للديمقراطية عبر الحوار الجامع بهدف تأمين النظام من خلال جمع أوسع قاعدة أجتماعية حوله.
أن تأسيس الدولة الديمقراطية، لا تؤسسها مجموعة بعينها، و بفرض تصورها على الآخرين، أنما من خلال التوافق الوطني العريض، و إذا كان الحزب الشيوعي وافق في مؤتمره الرابع على الديمقراطية الليبرالية، و الوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع، تصبح مصطلحات “الجذرية و الثورية و الصراع الطبقي و غيرها “من محددات الوصول للشيوعية يجب أن تغيب، و استخدامها يؤكد المراوغة. في الختام أن تلخيص الندوات التي تحمل رؤى الزملاء عن مستقبل العمل السياسي مسار جيد يقود للحوار العقلاني.. نسأل الله حسن البصيرة..
*المسار نيوز*