كتب الكابتن عمار خالد
دكتور الكورة السودانية الكابتن كمال عبدالوهاب
*ابن ام درمان كمال عبدالوهاب*
بدأت علاقتى بأخى كمال عبدالوهاب سلمان (دكتور الكرة السودانية) كما سماه عمنا الحاج حسن عثمان و(النيحة) كما سماه اقرانه و(بوكو) كما كنا نسميه بمدرسة الاميرية ام درمان ذلك الصرح الذى تشبه مبانيه مبانى البلديات والمبانى الحكومية.
كانت الاميرية فى الوسط فى الطابق الاول من المبنى ورمبيك الثانوية فى الطابق الارضى وفى الخلف مدرسة ودنوباوى.
كنت اللاعب الوحيد فى فريق المدرسة من الصف الاول – الباقين كانوا من الثالث والرابع واميزهم كان كمال عبدالوهاب ومتوكل محمود متوكل.
كان نجم النجوم استاذنا امين زكى كابتن فريق الهلال العظيم والاستاذ شهلابى مسؤلى النشاط الرياضى، كانوا يقيمون مهرجان رياضى فى نهاية العام الدرسى ياتى فيه كباتن الهلال (سبت دودو وابراهيم يحى الكوارتى ونصرالدين جكسا وكل لاعبى الهلال من هذا الجيل) – يلعبون مبارة ضدنا – طبعا بالنسبة لهم المبارة استعراضية فكانوا يعطوننا الفرصة لنراوغهم ونحرز الاهداف – كنا نفرح غاية الفرح وننتظر هذا اليوم بفارق الصبر. زرعت فينا هذه التجربة حب غير عادى لكرة القدم واصبح كل همنا وطموحنا ان نصبح نجوماً مثل هؤلاء النجوم.
التحق كمال بفريق ابوعنجة الدرجة التالتة دورى الشمس الحارة وكانت المباريات تقام على ملعب دار الرياضة ام درمان. وميدان الخليفة (المولد) وحينما يشارك كمال فى المبارة تمتلى مدرجات وكراسى الملعب.
بعد فترة وجيزة سمعنا عن صراع محموم بين اندية القمة الثلاثية (المريخ و الهلال والموردة) لضم اللاعب كمال لكشوفاتهم وحسم الامر لصالح المريخ العظيم.
عادة حينما يوقع لاعب جديد فى كشوفات اى فريق يجلس فى دكة البدلاء لفترة حتى يجد الفرصة المناسبة ليدخل التشكيلة ولكن كمال كان استثناء لعب مباشرة فى الفريق الاول ولم يغب بعد ذلك عن تشكيلة الفريق الى ان اعتزل الملاعب.
حينما وقع كمال لنادى المريخ كان الفريق يضم لاعبين افذاذ كان الحارس عبدالعزيز والدفاع سليمان وقدورة و كاوندا وحمزة ونوح وحسنين جمعة، والوسط المعلم بشرى وهبة والفارس بشارة ومحسن العطا والهجوم كمال وسانتو وجاد الله وحمورى الكبير. كان الفريق يضم خمسة واربعون لاعباً وباقى اللاعبين كانوا كلهم نجوم لكن فرصتهم فى اللعب كانت ضعيفة مع هؤلاء العمالقة. كان التمرين يوميا ولا يغيب احد عن التمرين حتى لو كان مريضا.
كانت ام درمان سودان مصغر وكانت تضج بالاداب والفنون مثلها وباقى مدن السودان لكن ام درمان لها خصوصية حيث كان المسرح القومى يقدم خطوبة سهير والفاضل سعيد وفرقة الاصدقاء وفرقة رضا وغيرهم.
كانت الاذاعة والتلفزيون مليئة بالبرامج والمنوعات وكانت الاندية والجمعيات الادبية دار فلاح والفنون الشعبية والفرق الموسيقية بجميع انواعها فى العاصمة المثلثة.
كانت سينما النيل الازرق تعرض احدث افلام سدنى بوتيه وسينما ام درمان تعرض جانوار ومن اجل ابنائى.
كانت قهوة يوسف الفكى تعج بالزوار والمكتبات فى كل مكان والباعة المتجولون يفرشون الكتب على الارض – كانت القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ.
كان على المك يتجول بين دار النشر ونادى المريخ والاذاعة والتلفزيون والصفحات الرياضية وكان من عشاق فن برعى وكمال و ابوداوود، ينافسه فى الكتابة حاج حسن عثمان وابوامنة حامد وابن البان.
كان عبدالرحمن الريح ينشد (قالو اهل الحب فى الزمان الراح – نشوة الاشواق احلى من الراح) والجابرى (ارقص وميل يا جميل خلى الشمس تسكب ذهب الاصيل فى النيل و(البلوم فى فرعه غنا) وابراهيم عوض (نفسك ابية وروحك خفيفة وليك جاذبية) والنعام (الزول الوسيم فى طبعه دائما هادى من اوصافه قول اسمعنى هات يا شادى) وابوداوود (اجرى يانيل الحياة لولاك ماطابت حياة). وعثمان حسين (ربيع الدنيا).
كانت الحياة رخية ينتفخ صدر النيل ويدفق على الوديان تخضر الارض وتنبت الخضروات والفواكهه بكل انواعها ياكل الانسان والحيوان (حتى الطير يجيها جيعان من اطراف تقيها شبع) القمرى والبلوم وطير الجنة بالوانه الزاهية.
كانت الرياضة فى قمتها – كرة القدم – كرة السلة – كرة المضرب (التنس) – العاب القوى – الملاكمة وغيرها ومثلما كان السودان يصدر القطن والصمغ العربى والسمسم فقد كان يصدر لاعبين ولم يكن فى السودان اى لاعب اجنبى – الرياضة تمارس فى كل ارض السودان، وغير الاندية الرياضية تجد اندية رياضية اجتماعية ثقافية واندية الجاليات (النادى القبطى والكاثوليكى والارمنى وغيرهم من الجاليات الاخرى، وكرة القدم بصفتها اللعبة الشعبية فى كل انحاء العالم فانها وجدت اهتماماً خاصاً لدى الشعب السودانى. كل الشعب السودانى يهوى كرة القدم ولان المزاج السودانى فى ذلك الوقت كان عالياً فأنه لم يكن يقبل بانصاف المبدعين.
اتى كمال عبدالوهاب لفريق المريخ وهو يعلم حجم المسئولية وكانت له من المقدرات البدنية والنفسية ما يؤهله لكى يكون نجماً يتربع على عرش المستديرة حتى ترك الملاعب. وكمال لم يبحث عن القمة فقد كان يتربع على عرشها ولم يطلب المجد فقد اتاه المجد طائعا مختاراً – عرفته زميلاً صديقاً وفى الحالين كان احلى وانضر.
اللهم ارحم كمال واغفر له واسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء .
وانا لله وانا اليه راجعون.
عمار خالد – لندن