يذكر جورج ويا نجم ليبيريا الكروى الشهير الهدف الرائع الذى أحرزه لفريقه باريس سان جيرمان فى شباك حارس مرمى بايرن ميونيخ الاسطورى كيفوالان في منافسات بطولة الأندية الأوربية، كما ظل يسترجع باعجاب مسار تجربته الاحترافية الناجحة باندية موناكو وميلان الايطالى وتشيلسى ومانشستر سيتى ومارسيليا وفوزه بالكرة الذهبية كاحسن لاعب في العالم غير ان مخاطبته لشعب ليبيريا فى نوفمبر المنصرم من موقعه كرئيس للجمهورية منتخبا منذ عام ٢٠١٧ كان لإعلان نتيجة مباراة تنافسية من نوع آخر وهى نتيجة الانتخابات الرئاسية التى خسرها لصالح المعارض جوزيف بواكاى ، فقال ” هذا المساء خسر حزبنا…لكن ليبيريا كسبت “…كانت انتخابات ليبيريا والتى لا تزال تتعافى من آثار الحرب الاهلية بها من الإيجابيات الافريقية القليلة التى شهدها العام الذى مضى ، علاوة على انتخابات تمت بسيراليون ومدغشقر ونيجيريا ومصر فى خضم احداث مزلزلة تصدرتها أحزان السودان، وكوارث مرعبة شكلها تحالف بين انواء الطبيعة وتغيرات المناخ والكوارث الطبيعية من جهة وتلك التى من صنع الانسان من جهة أخرى ، ففقد الآلاف أرواحهم في أعاصير وفيضانات ليبيا وزلازل المغرب فى قارة ظلت دوما عرضة لتيارات الضغط العالى السياسية التى تهب عليها من الخارج حربا باردة وساخنة وتحالفات واصطفافات واستقطابات على النحو الذى يعكسه نمط التصويت الافريقى المتباين على مشروعات القرارات الخاصة بالحرب الاوكرانية على لوحة نتائج التصويت بقاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فلم تسلم افريقيا من تبعات الاوضاع السياسية المضطربة في العالم, وتنافس الولايات المتحدة والصين ، ولم تكن بمنجاة من تفاعلات وتطورات الصراع العربى الاسرائيلى و صراع الموانئ والممرات المائية بالبحر الأحمر والخليج والمطامع على الثروات ومصادر الطاقة والمعادن.. وقد اتخذ صراع المعادن وجهة هامة فبعد أن كانت المعادن احدى اسباب استعمار واحتلال العديد من دول القارة اصبحت في زماننا الراهن احد الاسباب القوية لنشوء واندلاع واستفحال النزاعات الداخلية وخاصة فى غياب الخطط القومية لتنظيم واستغلال الثروات المعدنية والطبيعية..ّولئن تلاحظ أيضا فى هذا الاطار تزايد اهتمام الحلفاء ألاقليميين للقوي الغربية بامر الثروات المعدنية والطبيعية والتنافس الحاد بينهم فان موضوع الموانئ قد دخل بدوره كاحد مثيرات التوتر فى المنطقة برمتها حيث أدت نوستالجيا البحر والموانئ والافتتان المتزايد بها لبوح علنى من رئيس الوزراء الاثيوبى أبى احمد مطالبا بوجود مباشر كحق سيادى لبلاده بها فى خطاب هام له فى اكتوبر الماضى اثار اهتمام المراقبين مشيرا الى أنها مسالة حياة ووجود لاثيوبيا التى لن تقبل بان تسجنها الجغرافيا ، و قال ان بلاده تنظر دوما للبحر الأحمر و نهر النيل لبقائها او فنائها ..و قد ادى ذلك لغضب ارتريا وتوتر علاقات البلدين..بل أدخل ذلك كامل القرن الافريقى فى اتون توتر جديد حيث نددت الصومال بما تم من اتفاق بين اثيوبيا وجمهورية أرض الصومال تقرر بموجبه منح أثيوبيا قاعدة بحرية وميناء على تلك الأراضى الساحلية مقابل وعد بالاعتراف وحصة فى الخطوط الاثيوبية ، وقالت الصومال التى استدعت سفيرها من اديس ابابا محتجة للتشاور ان ماتم عمل عدائي يقوض سلامة الصومال ووحدة اراضيها… وكان رئيس جمهورية ارض الصومال موسى بيهي عبدى قد وقع مع رئيس الوزراء الاثيوبى ابى احمد مذكرة تفاهم ” للشراكة والتعاون ” بين الجانبين فى ختام زيارة قام بها لاثيوبيا يتوقع أن تستمر تفاعلاتها خلال العام الجديد….وقد استبقت الاتفاقية استئناف كان وشيكا للحوار بين حكومة الصومال وجمهورية أرض الصومال انجزته مبادرة قام بها الرئيس الجيبوتى اسماعيل عمر جيلى الذى قيل ان ذلك قد اغضبه…وكانت ” موانئ دبى” قد وقعت اتفاقا مع جمهورية ارض الصومال عام ٢٠١٦ بقيمة ٤٤٢ مليون دولار لتشغيل مركز تجارى ولوجستى اقليمى في ميناء بربرة كما وقع الجانبان اتفاقية اخرى عام ٢٠١٨ لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة بحصة لموانئ دبى تبلغ ٥١ بالمائة من المشروع…وليس من المستبعد أن تطالب اثيوبيا قريبا ، وقد نالت فى أغسطس الماضي عضوية مجموعة البريكس عقب اجتماعات قمتها بجنوب افريقيا ، بعضوية “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” وهى المنظمة التى تضم السودان ومصر وجيبوتى وارتريا والصومال والسعودية والأردن واليمن……. لقد سعت افريقيا خلال عام ٢٠٢٣ للتغلب على تأثيرات الحرب الاوكرانية والتضخم الجامح فى أسعار المواد الغذائية وتفاعلات الكوفيد ١٩ وصولا من جهة أخرى للاجندة ٢٠٦٣ التنموية الا ان النتائج لم تكن كما توخى المخططون على الرغم من استراتيجات ذات صلة اعلنت في السابق لتعزيز الوصول لهذه الأهداف مثل مبادرة إسكات صوت البنادق وإطلاق مشروع المنطقة الافريقية الحرة ، وقد استمر انخفاض النمو خلال العام الماضى ، وحسب تقارير البنك الدولى فان معدلات النمو وخاصة في بلدان افريقيا التى تصنفها بجنوب الصحراء لاتزال ضعيفة نتيجة لحالة عدم اليقين التى تكتنف الاقتصاد العالمى وتراجع اداء اكبر اقتصاديات القارة وارتفاع معدلات التضخم والتباطؤ الحاد في نمو الاستثمار …وقد أوصت تقارير البنك الدولى الحكومات الافريقية فى مواجهة خفض معدلات النمو وارتفاع مستويات المديونية بزيادة التركيز على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى وتعبئة الإيرادات المحلية وتخفيض المديونية وتعزيز الاستثمارات الهادفة للحد من الفقر والمجاعات… كان اهم مااعلنه عام ٢٠٢٣ هو تراجع نفوذ فرنسا في القارة الأفريقية وخاصة بعد الاطاحة فى فضائها الفرانكفونى بعدة انظمة فى العام الماضى والعامين السابقين إخرها النيجر متبوعا بالقابون وصلا لطلاق سياسي وعسكرى بمالى وغينيا وبوركينافاسو وتضعضع لنفوذها في تشاد..وقد تلاحظ أن الإطاحة تلك عسكريا بالأنظمة إلمذكورة قد وجد تجاوبا داخليا واسعا وعده عديدون ” موجة ثانية من التحرر الوطنى” عقب الموجة الأولى التى نالت بموجبها هذه الدول استقلالها ، ونادى آخرون بضرورة اهتبال هذه السانحة لخلق توافق وطنى ينأى بالبلاد عن الار تهانات والتدخلات الخارجية. و لتراجع النفوذ الفرنسي في افريقيا اسبابه فلم يوفر سلاما ولم ينجز تنمية ، وقد ركز ايضا على الحلول الأمنية والعسكرية ولم يستصحب انماطا آخرى أثبتت التجارب نجاعتها مثل السعى لتنمية تلك المناطق، وفقدت مرتكزات الوجود الفرنسي القائم اصلا على الوصاية والاستعلاء الاستعمارى والاستغلال الاقتصادى وشبكة عميقة من الروابط الاقتصادية وايضا الثقافية الهادفة لتشكيل القوام والبناء الثقافى للافراد قدرتها على الصمود وتقديم أجوبة لأجيال جديدة من الشباب.. وعلى الرغم من ان فرنسا ستسعى لاعادة هيكلة ما تبقى لها من قوات ولن تذهب لحد اعلان انسحاب قواتها على النحو الذى أعلنته الولايات المتحدة في افغانستان الا ان قرار فرنسا القاضى بإغلاق سفارتها بالنيجر يشكل علامة فارقة فى تاريخ وحاضر ومستقبل الوجود الفرنسي فى افريقيا….. تبدو افريقيا مثل علامة الاستفهام على خريطة العالم…..ترى ماذا تخبئ لها اقدار العام الجديد ….!