*المريخ بين الحلم والواقع كيف يصبح نادياً محترفاً ومستقلاً مالياً؟!..*

لم يعد السؤال الذي يشغل جماهير المريخ السوداني هو من يفوز في مباراة الديربي أو من يسجل الأهداف الحاسمة، بل كيف يمكن للنادي العريق أن يتحول من كيان يعتمد على التبرعات والظروف، إلى مؤسسة رياضية محترفة ومستقلة مالياً، تملك استثماراتها وتدير مواردها بعقلية شركات القرن الحادي والعشرين.

المريخ الذي تأسس عام 1908 ويملك ملعب “القلعة الحمراء” بسعة تقارب 43 ألف متفرج، يظل أكبر نادٍ سوداني من حيث الشعبية والتاريخ، لكن مشاكله الإدارية والمالية جعلت صورته تتراجع مقارنة بأندية عربية وإفريقية بدأت من نفس الظروف ثم تحولت إلى قصص نجاح لافتة.

في المغرب، فرض قانون 30-09 على الأندية التحول إلى شركات رياضية. النتيجة فكانت النتيجة أن الوداد البيضاوي أعلن فائضاً مالياً بلغ نحو 10.5 مليون دولار في 2022 بعد أن ارتفعت إيراداته إلى حوالي 18.5 مليون دولار، مقابل مصروفات لم تتجاوز 8 ملايين. كما كشف الرجاء البيضاوي عن تقرير مالي يوضح أن عائداته من النقل التلفزيوني والمكافآت وصلت إلى 19.2 مليون درهم في موسم واحد، مع ارتفاع عقود الرعاية بنسبة 20%.
في مصر، تمكن الأهلي من رفع قيمة رعايته من 250 مليون جنيه في 2015 إلى 500 مليون بعد ثلاث سنوات فقط في 2018، وهو يستعد في هذه الفترة لإطلاق خطة استراتيجية بالشراكة مع شركة استشارات عالمية، في خطوة تعكس أنه لم يعد مجرد نادٍ رياضي، بل مؤسسة تجارية بكل معنى الكلمة.
أما جنوب أفريقيا، فقد أعادت هيكلة دوريها المحلي (PSL) ليصبح من الأكثر تنظيماً في القارة. الجائزة المالية لبطل الدوري ارتفعت إلى 20 مليون راند (أكثر من مليون دولار) في 2024/25، بفضل اتفاقيات رعاية وبث قوية. هذا النموذج جعل أندية مثل ماميلودي صن داونز تملك ميزانيات مستقرة وقدرة على التخطيط بعيد المدى.

الحل ليس سحرياً، بل خطوات عملية تبدأ بتأسيس شركة رياضية تدير حقوق النادي، مع الاحتفاظ بـ”الحصة الذهبية” للجمعية العمومية لحماية الهوية، مع ممارسة الشفافية المالية عبر نشر تقارير سنوية مدققة باللغتين العربية والإنجليزية، لكسب ثقة الرعاة والجماهير. إضافة اليتنويع مصادر الدخل عبر تذاكر رقمية واشتراكات موسمية للجماهير داخل وخارج السودان، ومتجر إلكتروني يبيع منتجات رسمية ويشحن للمغتربين، وتطوير ملعب المريخ وتحويله إلى مركز إيرادات عبر الضيافة والمطاعم والمتاجر، وضرورة إنشاء أكاديمية لتخريج لاعبين وبيع عقودهم مع الاحتفاظ بحقوق إعادة البيع.

ان جماهير المارد الأحمر في الداخل والمهجر ثروة حقيقية يجب استغلالها لمصلحة الكيان من خلال اشتراك شهري بسيط عبر منصة رقمية (3–5 دولارات) من المغتربين يمكن أن يشكل دخلاً ثابتاً ومستقلاً يغطي جزءاً كبيراً من الرواتب والنفقات التشغيلية.

التحدي الأكبر أمام المريخ ليس المال فقط، بل الحوكمة. النزاعات الإدارية والقانونية المتكررة أضاعت على النادي فرصاً استثمارية ورعائية، وأدخلته في قضايا أمام محكمة التحكيم الرياضي (CAS). أي إصلاح مالي دون إصلاح إداري سيكون مجرد مسكنات، ومع ذلك فان الفرصة لا تزال قائمة. المريخ يملك ملعباً، جماهيراً، تاريخاً، واسماً يمكن أن يُسوَّق كرواية وطنية عابرة للأجيال. الفرق بينه وبين أندية مثل الوداد أو الأهلي أو صن داونز، ليس في الشعبية ولا التاريخ، بل في الإدارة التي قررت أن تتحول من نادي هواة إلى شركة محترفة.

إن تحويل المريخ إلى نادٍ محترف مستقل مالياً لن يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة، ووضعت خطط واضحة، وأُديرت الموارد بعقلية استثمارية.

المريخ يستحق أن يكون في الصفوف الأولى قارياً، لا أن يظل أسيراً لأزمات مالية وإدارية يمكن تجاوزها. والكرة اليوم في ملعب من يملكون القرار في مجلس التسيير وكبار المريخ وأقطابه واعلامه للعمل لانجاز هذا المشروع الحلم.

وائل عبدالخالق مالك

مقالات ذات صلة