*إحترام الرأي والرأي الآخر طريقنا للوحدة والأصطفاف الآمن كتبه / محمد أبوزيد مصطفى*

=============================

جعل الله تعالى التنوع في كل ما خلق ايةً كونيةً لتتميز الأشياء بالاضاد، ولتمور الحياة بالفاعلية، (واختلاف السنتككم والوانكم ان في ذلك لآية.. )
فالبشر يتنوعون في كل شئ كسائر الكائنات …
ولما كان الناس في مجال الفهوم والعلوم يتفاوتون.. (ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك، ولذلك خلقهم.. ).. فحينئذٍ يلزمنا إدارة هذا التنوع والاختلاف الحتمي بحكمة واقتدار،،
فإذا كانت السنة المتواترة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – والتي رواها جمعٌ عن جمعٍ يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب.. لا تتجاوز بضع أحاديث تُعَدُّ على الأصابع.. فكيف يكون التعاطي مع الثروة الهائلة من السنة غير المتواترة، التي ابتكر لها العلماء الاسبقون (قانون التصحيح والتضعيف) أو ما سمي ب (مصطلح الحديث)،،
وهنا تزدحم الاجتهادات في (سلسلة السند) ما بين الوصل والانقطاع في الحجية، حول نوع المعاصرة، أو في مستوى الانقطاع ما بين مُرسَل ومُرسِل، وضابط للحفظ من غيره، ومَتن ومَتن.. لكن الغالب الأعم في اختلاف التنوع هنا انما يقع في معايير الجرح والتعديل للرواة واسقاطاتها على الرواة ،،
وبذا يحصل الاختلاف الواسع حول مرجعيات العقائد والأحكام العملية اثباتاً ونفياً،،

أما الباب الاوسع للاختلاف والتنوع في المقال والرأي فإنه يقع في دلالات الألفاظ، بحسب تأويلاتها ومعانيها، ورغم ان اللسان العربي مبين ولكن قد تجد ان اللفظ الواحد له دلالات متعددة تحتاج لمرجِّح ومُعضِّد في مواطن النزاع.. وهنا يحسن ان نعطي مثالاً واحداً للتنبيه ف(لفظ العين) مثلاً له مجموعة معاني منها {الباصرة، ماهية الشئ، السحر، نبع الماء، الجاسوس … الخ} وقس على ذلك ما يذخر به قاموس اللسان العربي من الفاظ الكتاب والسنة الدالة على الأحكام والأخبار، وكذلك المصطلحات المحدثة ،، وفي باب الأحكام الفقهية نجد ان اختلاف التنوع يتسع عند الإثبات ما بين صحة الدليل المرجعي من عدمه،، وما بين معناه ودلالته على الحكم حلاً وحرمةً، او وجوباً وما دون ذلك..وكتب الفقهاء ممتلئة بتنوع هائل من الآراء والاجتهادات..

اهل القبلة ليسوا سواءاً في تدينهم (ثم اورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابقٌ بالخيرات باذن الله) ، فالسابقون منهم والمقتصدون مثلهم مثل الظالمين يقعون في الخطايا ويقترفون المعاصي ، لأنهم بشر وليسوا كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم،، ولان الله فطرهم على الخطيئة فمن رحمته وحكمته ان جعل لهم مكفرات ماحيات، كالتوبة، والاستغفار، وفعل الحسنات..(ان الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)، وكذلك اجتناب الكبائر (إن تجتنبوا كبائر ما تُنهَون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مُدخلاً كريماً)..
والرحمة الأكبر لمن لا يشرك بالله شيئاً.. *(إن الله لا يغفر ان يُشرَك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)*

والناس طبقات ومراتب بالفطرة، وبالكسب ايضاً حسب مراعاتهم لمراتب الحسنات والسيئات، ولذلك جعل الله مقاماتهم في الجنة مرتبة حسب كسبهم..
واما هنا فقد جعلهم الله درجات متفاوتة بغرض السخرة الطبيعية، إذ ان الرفيع والوضيع كليهما في خدمة بعضهما بعضاً، (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجاتٍ ليتخذَ بعضُكم بعضاً سُخريّاً ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون)
و في الحديث النبوي : {المسلمون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمتهم ادناهم ، وهم يدٌ على مَن سواهم }
وفي المثل :[ اذا أنتَ أمير، وانا أمير،، مين بالبيقود الحمير..]

واالاسلاميون ليسوا بدعاً من المسلمين لا يتميزون عنهم بنقاء، وإنما هم مثلهم مثل غيرهم يرتكبون الصغائر والكبائر والبدع المفسقة ، وليس من بينهم من هو معصوم، فاذا علموا من بعضهم من اقترف شيئاً من القاذورات فالاوفق الاجتهاد في التقويم لا الحرص على الإقصاء والإبعاد من أجل النقاء العضوي ، ولا نقاء،. كما وان عليهم أن يقبلوا من أراد الانضمام اليهم من هؤلاء لان هذا التنوع كان مُقرّاً في الصدر الأول، بل هو من صميم الوصف الالهي لأهل القبلة..
ولقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية اهل البدع بانهم شرٌ من اهل الفسق والفجور، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى عن لعن شارب الخمر،، بينما قال عن الخوارج لإن لقيتموهم فاقتلوهم، ولإن لقيتهم لاقتلنهم قتل عاد..
وبالتالي فالاستثناء الوحيد هو مقاتلة وهجران من أراد أن يفرق كلمتكم وانتم جميع ولكن من دون تعدٍ للحدود ، فابوبكر لم يقاتل الخوارج الا بعد ان ارسل لهم ابن عباس لمناقشتهم اولاً ثم قاتل من استمر في عناده،، فالمحافظة على الجماعة امر تنتصر به الوجهة،،واما من خالف ولو كان منافقاً بيّن النفاق يترك مثلما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم- معهم لان مثل هؤلاء (يريدون ان يأمنوكم ويأمنوا قومهم..).

هنا تتجسد العبقرية في حسن إدارة هذا التنوع المعرفي والسلوكي، المزدحم بالنقائص والتعديات والتنافس الحميد والخبيث، واعجاب كل ذي رأي برايه، والتعصب للرأي والتمذهب البغيض الذي يغذي الشحناء والبغضاء التي تصل حد الاختصام والتباغض والتباعد والاقتتال..
عندئذٍ يجب كفكفة كل عدوان وتخفيفه الي أدنى مستوى من أجل التعايش الآمن والتناصر لتحقيق الأهداف العليا،، فإن الله يحب من هم في اخائهم وتلاحمهم مرتصين كالبنيان المرصرص..

واذا كان العالم يطالبنا ب(احترام الرأي والرأي الآخر) فعلينا ان نعطيه درساً بالممارسة العملية ونترجمه واقعاً بأننا نحن أحق بهذا المبدأ وأهله، ولا نكون كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول.

مقالات ذات صلة