يتساءل الكثيرون هل قامت الجامعات أصلا لسد حاجات سوق العمل أم لتأهيل الناس وتوسيع مدراكهم في الجوانب المختلفة للمعرفة.
أقول أن الجامعات نشأت في الأصل لتلبية حاجات المجتمع وتوسيع مدارك أفراده في مختلف مجالات المعرفة، ثم تطور دورها لاحقًا ليشمل أيضًا تلبية حاجات سوق العمل.
أي أن البعد المعرفي والإنساني هو الأصل، والبعد المهني هو التطور اللاحق،
وهناك فرق بين المعاهد التي تصمم لجوانب معينة تابعة لمؤسسات بعينها مثل معهد الطيران المدني ومعهد المواصلات السلكية واللاسلكية سابقا الذي تحول لمركز تدريب،
فالامر يحتاج توازنًا بين البعدين الوظيفي والمعرفي للجامعة.
وفي الأصل، الجامعات لم تُنشأ لسد حاجات سوق العمل فقط، بل جاءت استجابة لحاجات المجتمع الأوسع — الفكرية، والثقافية، والتنموية. إليك توضيح الفكرة من منظور تطوري وتربوي
والهدف الأساسي والتاريخي والمعرفي للجامعة عندما نشأت الجامعات الأولى (مثل الزيتونة والقرويين، والأزهر، وبولونيا، وأوكسفورد…) كان الهدف الأساسي بناء الإنسان العارف والمستنير، لا مجرد إعداد موظف.
وكانت الجامعات مؤسسات للبحث عن الحقيقة، ونشر الحكمة، وتطوير الفكر الديني والفلسفي والعلمي، أي أنها تهدف إلى تأهيل الإنسان ليكون مفكرًا وناقدًا ومشاركًا في بناء الحضارة.
ومع التحول الصناعي والاقتصادي في القرنين 19 و20، ظهرت الحاجة إلى ربط التعليم الجامعي بـ”سوق العمل”.
فأصبحت بعض التخصصات تُصمم خصيصاً لتلبية حاجات الاقتصاد، مثل الهندسة والطب والإدارة، وهو اتجاه وظيفي ضروري لتقدم المجتمعات الحديثة.
لكن رغم ذلك، بقيت الجامعات مسؤولة عن توسيع مدارك الإنسان وتربيته على التفكير النقدي والإبداعي، وهو ما لا يُلبي فقط “الوظيفة” بل “الإنسانية” أيضًا.
فالجامعات ليست مجرد مصنع للموظفين، بل مؤسسة لتنوير المجتمع وتوجيهه.
فهي
• تُنتج المعرفة التي تُحل بها مشكلات المجتمع.
• تُسهم في بناء القيم والهوية الوطنية والثقافية.
• تُهيئ الأفراد لفهم العالم وممارسة المواطنة الواعية.
وقد قال المولى عز وجل في اجل مهنة وعلم وضع للناس ليعالج قضايا أساس خلقهم وهو العبادة ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾.
ومع ان الامر في النفرة متعلق بسرايا الحرب الا انه يفيد ان تكون من كل فرقة طائفة للتفقه
وايضا في موضعنا هذا تكون هناك طوائف لسد ثغرات العمل وطوائف اخرى لسد الثغرات الاخرى.
فالحياة المادية هذه تابعة للحياة الروحية والاجتماعية والنفسية وليست كما ذهب ماركس مثلا ان المادة والذي سماه البناء التحتي هو الأساس الذي يبنى عليه البناء الفوقي من قيم وقواعد اخلاقية وسلوكية وغيره
وهذا لا يعني باي حال عدم أهمية التخصصات التي ذكرت اعلاه بل هي مهمة في اعمار الارض التي استخلف الانسان فيها اصلا لتعميرها.