*من عطبرة تبدأ الحرب… إن خسرنا الوعي*

منذ متى صار الدم الفردي سلاحًا لتفجير وطن بأكمله؟ من الذي قرر أن حادثًا جنائيًا يمكن أن يتحول إلى معركة سياسية تُستدعى فيها العنصرية وتُغذى بالكراهية؟ رصاصة واحدة سقطت في عطبرة، لكن أصداءها دوّت في كل السودان، لأن هناك من لا يريد للحكمة أن تتكلم، بل يريد للفتنة أن تصرخ.

حادث عطبرة ليس الأول في تاريخ هذه المدينة الصامدة. مدننا، كلها، دفعت ثمن العنف والانفلات، وكلها عرفت الدم والخسارة. لكن الغريب هذه المرة أن بعض الأصوات سعت لتضخيم الحادث حتى صار كأنه جريمة دولة لا فعل فرد، فاختلط الحزن بالتحريض، والدم بالعناوين السياسية.

المنصات التي سارعت لتغطية الحادث لم تكن تبكي القتيل بقدر ما كانت تفرح بالنار التي يمكن أن تشتعل من بعده. فجأة خرجت الشعارات الجاهزة، وبدأت حملات التحريض ضد القوات المشتركة وكأنها ارتكبت إبادة، بينما الحقيقة أن هذه القوات هي من تحفظ الأمن وتصدّ المليشيا وتمنع الفوضى من التمدد إلى المدن الآمنة
نعم، هناك قاتل، وهناك ضحية، لكن لا أحد يمتلك الحق في تحويل الحادث إلى منصة لتصفية الحسابات. العدالة لا تُدار بالمظاهرات ولا بالهتافات، بل بالقانون. ومن أراد القصاص فليطالب به في ساحات العدالة، لا في شوارع الفتنة.

من الذي يستفيد من هذا التصعيد؟ من الذي يهمه أن تنهار الثقة بين الجيش والقوات المشتركة؟ إنها ذات الأيادي الخفية التي تعمل منذ شهور على تفكيك جبهة الصمود الوطني، وتحاول جرّ البلاد إلى صدامات داخلية تضعف الجبهة التي تحارب المليشيا. إنها أجندة تُدار بدهاء، وتستغل كل حادث فردي لتشويه مؤسسة كاملة.

القوات المشتركة ليست ميليشيا، بل قوة نظامية لها قانونها وضوابطها وقياداتها، ولن تسمح بتجاوزات، بل تحاسب من يخطئ. وهي ليست جسدًا غريبًا عن الوطن، بل أبناؤنا وإخوتنا، قاتلوا في الفاشر ،الخرطوم ،مدني والأبيض ونيالا، وقدموا دماءهم دفاعًا عن المواطن. فكيف نكافئهم اليوم بالهجوم والاتهام الجماعي
ما يحدث اليوم في عطبرة اختبار حقيقي لوعينا. هل سنترك الغضب يقودنا إلى الفتنة؟ أم نترك القانون يأخذ مجراه ونفوت الفرصة على من يتربص بهذا الوطن؟ علينا أن نميز بين الخطأ الفردي وبين من يسعى لزرع الكراهية في قلب السودان.

رصاصة في عطبرة حاولوا أن يجعلوها فتيلًا يحرق العلاقة بين المواطن وجيشه، بين الشارع والقوات المشتركة، بين الشمال والغرب، بين السودانيين أنفسهم. لكن الفتنة لا تنجح إلا حين نصمت نحن عن صوت العقل.

من يريد للوطن أن ينهار، يبدأ دائمًا بتكسير رموزه الأمنية، ومن يريد أن يهز الجيش يبدأ بتشويه من يقاتل معه. لكن التاريخ لا يرحم. فحين تسقط الحقيقة، يسقط الوطن، وحين نحاكم المؤسسات بعاطفة، نفقد العدالة نفسها
إن من يفتش في دم عطبرة بحثًا عن ثغرة، لن يجد إلا نوايا الخيانة. ومن يرفع شعار العنصرية ليدين قاتلًا، إنما يرتكب جريمة أكبر ضد وطن كامل. فلتكن عطبرة كما كانت: مدينة الحكمة، لا مدينة الغضب. مدينة الثورة والوعي، لا منصة لتجار الأجندات.

دعوا القانون يقول كلمته، ودعوا الوطن يلتقط أنفاسه. فمن يعرف قيمة عطبرة يعرف أنها لا تنحاز إلا للوعي، وأنها لا تسقط في فخ الفتنة إلا إن أراد لها البعض أن تموت في الظلام

لن تخرج القوات المشتركة من أي منطقة في السودان — هم سودانيون ووجودهم لتأمين المناطق بناءً على ترتيبات مع الجيش؛ حاكموا القاتل فردًا أمام القضاء ولا تذهبوا لمحاكمة قوةٍ كاملة، فهؤلاء دافعوا عن الوطن ونسوا مرارًات الماضي من أجل السودان وكرامته

مقالات ذات صلة