هناك أحزاب في السودان لا تستحق حتى وصف “الأحزاب”.
تستحق أن تُسمّى بأسمائها الحقيقية:
أحزاب نطيحة… متردية… ورخيصة.
رخيصة في مواقفها، رخيصة في مبادئها، رخيصة في أخلاقها السياسية، رخيصة إلى درجة أن الوطن كله يمكن أن يسقط بينما هي مشغولة بعدّ المكاسب.
هذه الأحزاب التي تتلوّن كل موسم، وتبدّل جلدها كل عام، وتغيّر خطابها كلما تغيّر الراعي الذي يموّلها أو يحميها أو يفتح لها بابًا لتتسلّق من خلاله.
أحزاب لا تؤمن إلا بفقه “التسوية”: تسوية مع القاتل، مع الانقلابي، مع الجنجويدي، مع أي قوة يمكن أن تمنحهم فتات سلطة… حتى لو كان هذا الفتات من دم الشعب.
هذه الأحزاب التي ظلّت تعيش على رائحة الخراب:
كلما اشتعلت حرب، خرجوا يفاوضون.
كلما سقط نظام، صعدوا مثل الدخان.
كلما بكى الناس، ظهروا في المؤتمرات الصحفية يوزعون الوعود ويخفون السكاكين خلف ظهرهم.
إنهم أحزاب الرخص:
رخص في القرار، رخص في الخطاب، رخص في التاريخ.
أحزاب تعجز حتى عن حفظ كرامتها، فكيف تحفظ كرامة وطن؟
هي الأحزاب التي شاركت في قتل السودان مرتين:مرة حين صمتت، ومرة حين تحالفت.
ومرة ثالثة حين ادّعت البطولة وهي تهرب من مواجهة الحقيقة.
هي التي وقعت مع الأنظمة المستبدة بينما أهل دارفور يُقصفون.
هي التي عادت بعد الثورة تتحدث عن “مدنية الدولة” بينما هي نفسها لا تعرف المدنية داخل مؤسساتها.
هي التي فتحت الباب للمليشيات أن تتحول إلى مشروع سياسي.
هي التي باعت الخرطوم في سوق المواقف.
وهي التي تتسابق الآن لتجد لنفسها مقعدًا في جثة الدولة المنهارة.
أحزاب نطيحة… لأنها سقطت أخلاقيًا.
متردية… لأنها خافت أن تقف مع الحق حين كان الوقوف مكلفًا.
ورخيصة… لأنها ظنت أن الشعب بلا ذاكرة.
وفي النهاية، حين ننظر إلى خراب السودان، لن نجد وراءه فقط مليشيا مسعورة أو جنرالًا طمّاعًا…
سنجد خلف كل ذلك حزبًا رخيصًا، وقع وصمت وابتسم وأدار ظهره للشعب، وفتح الطريق للدم أن يجري من دارفور إلى الخرطوم.
اليوم، وفي قلب هذا الجحيم، يجب أن نقولها بلا مواربة:السودان لن ينهض ما دامت هذه الأحزاب الرخيصة تمثل السياسة.
لن يقوم للوطن قائمة ما دمنا ندور في الحلقة نفسها، نعيد تدوير الفشل نفسه، ونستقبل الوجوه التي لم تُسعفنا يومًا إلا بالمزيد من الخراب.
هذه الأحزاب يجب أن تُرمى في مكبّ التاريخ.
فلا ثورة ستنجب مستقبلًا نظيفًا…
ولا وطن سيشفى…
ما دامت الأحزاب النطيحة والمتردية والرخيصة هي التي تحتل صدارة المشهد.




