أصبح اللعب في الإقليم مكشوفًا بلا مواربة، وتتحرك القوى الفاعلة اليوم خارج منطق الظل إلى منطق المواجهة العلنية. المؤشرات كافة تدل على أن المرحلة القادمة أشد سوءًا، وأن رقعة الصدام مرشحة للاتساع عسكريًا وسياسيًا، في ظل تحالفات باتت واضحة المعالم والأهداف. نحن لا نواجه أحداثًا منفصلة أو أزمات محلية معزولة، بل نواجه مشروعًا إقليميًا تقوده إسرائيل ضمن رؤيتها التاريخية والاستراتيجية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، مستخدمة أدوات ووكلاء إقليميين، وفي مقدمتهم أبوظبي، التي لعبت دورًا محوريًا في توظيف المال والنفوذ لتفكيك الدول الوطنية وتقسيم المجتمعات.
جوهر هذا المشروع لا ينفصل عن الصراع على ثلاثة موارد استراتيجية حاكمة لمستقبل الإقليم: المياه العذبة، والمعادن الاستراتيجية، والممرات البحرية. هذه الموارد تمثل عصب الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة وسلاسل الإمداد، ولذلك أصبحت مسارح الصراع الرئيسية في السودان واليمن وإقليم الصومال. في السودان، يتجلى الصراع في محاولة تفكيك الدولة والسيطرة على موارد الذهب والمعادن، وربطها بممرات لوجستية تخدم مصالح خارجية، مع إضعاف الجيش الوطني وإطالة أمد الحرب لتسهيل إعادة هندسة الدولة على أسس هشة. وفي اليمن، يتخذ الصراع بعدًا أوضح في السيطرة على باب المندب والسواحل الاستراتيجية، بما يضمن التحكم في أحد أهم شرايين التجارة العالمية، وتحويل البلد إلى ساحة استنزاف دائمة تمنع قيام دولة قوية قادرة على فرض سيادتها. أما في إقليم الصومال والقرن الإفريقي، فإن الصراع يتمحور حول الموانئ، والمياه، والنفوذ البحري، ومحاولات خلق كيانات وظيفية مرتبطة بالمشاريع الإقليمية والدولية، بما يعيد إنتاج عدم الاستقرار ويحول المنطقة إلى ساحة تنافس مفتوح.
التكلفة المترتبة على هذا المسار ستكون هائلة، ليس فقط على مستوى الدول الوطنية التي تتعرض للتفكك والاستنزاف، بل أيضًا على مستوى المصالح الدولية نفسها، لأن تفجير الإقليم بهذه الطريقة يهدد أمن الملاحة الدولية، ويقوض استقرار أسواق الطاقة والغذاء، ويفتح الباب أمام موجات فوضى ممتدة. هنا يبرز الدور الحاسم للنخب العربية، التي لم يعد مقبولًا أن تكتفي بالمشاهدة أو بالتحليل المتأخر. المطلوب منها اليوم خوض معركة الوعي والإدراك، وكشف سرديات التضليل السياسي والإعلامي التي تُسوّق هذه المشاريع باعتبارها استقرارًا أو تنمية، بينما هي في حقيقتها إعادة إنتاج للاستعمار بأدوات جديدة.
الربط بين السودان واليمن وإقليم الصومال ليس ترفًا تحليليًا، بل ضرورة لفهم الصورة الكاملة: مسرح واحد، ومشروع واحد، وأدوات متعددة. وأي مواجهة جادة لهذا المسار تبدأ بإعادة الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية، وبناء خطاب عربي عقلاني وموحد، قادر على تفكيك الروايات الزائفة، والدفاع عن السيادة، وفضح التوظيف الإقليمي والدولي للصراعات الداخلية خدمةً لأجندات لا علاقة لها بمصالح شعوب المنطقة.
@إشارة



